الصباح
سليمان جودة
رهان باريسى على وزير البيئة!
ذهبت إلى باريس، الأسبوع الماضى، وفى ذهنى ما كانت هذه المدينة الفرنسية الجميلة، قد نظمته فى شوارعها، يوم 27 سبتمبر الماضى، فى سبيل أن تظل مدينة جميلة، ونظيفة، وبديعة.
وإذا كان الدكتور خالد فهمى، وزير البيئة، يريد أن يقدم شيئًا فى مجاله، للقاهرة، فأرجوه أن يدرس يوم 27 سبتمبر 2015 فى تاريخ باريس، ليدعو إلى شىء شبيه به، أو مماثل له، فى عاصمة بلدنا!
إن فرنسا سوف تستضيف من يوم 30 نوفمبر، إلى 11 ديسمبر المقبل، مؤتمرًا دوليًا عن المناخ، وسوف تحضره دول كثيرة حول العالم، وسوف يكون الهدف هو كيف يكون التلوث فى حياة البشر، أقل، وكيف يكون اللاتلوث، أيًا كان نوعه، أكثر.
ويبدو أن السلطات فى العاصمة الفرنسية، قد أرادت أن تثبت للمهتمين بالمناخ، بوجه عام، وللذين سوف يجيئون إليها فى مؤتمر المناخ، بشكل خاص، أنها مهتمة بالقضية، وأنها ليست مهتمة وفقط، ولكنها تريد أن تفعل شيئًا على الأرض، وتريد أن تكون جادة فيما تفعله وتقدمه فى هذا الاتجاه!
يوم 27 سبتمبر 2015، كان يومًا بلا سيارات فى باريس كلها، وقد بدت العاصمة يومها، للذين تابعوا وقائع ذلك اليوم، مملوءة فى كل شوارعها بالمشاه، وبالذين يتحركون على أقدامهم، وقد كانوا أحرارًا تمامًا فى الحركة، وكان كل واحد فيهم يستطيع أن يمشى فى وسط الشارع، مثلًا، أو أن يعبره من غير الموقع المخصص للمشاه، دون أن يواجه أى عقوبة من رجال المرور!
وكان أمام الذين يريدون أن يذهبوا إلى أعمالهم، فى ذلك اليوم، أو يريدون أن يقضوا أى مصلحة، خيارات ثلاثة: إما أن يقطع كل واحد منهم الطريق على قدميه، أو أن يأخذ المترو، أو أن يقود دراجة هوائية لا تلوث بطبيعتها أى هواء، ولا أى مكان!
وكانت السيارات المسموح لها بالمرور فى الشوارع، فى اليوم نفسه، ثلاثة أنواع فقط، فهى إما أن تكون سيارة شرطة، أو سيارة إسعاف، أو سيارة نقل بضائع، وما عدا ذلك ممنوع تمامًا من الساعة الحادية عشرة صباحًا إلى السادسة مساء!
اليوم فى حد ذاته، لن يمنع التلوث تمامًا بطبيعة الحال، ولن يجعل باريس تخلو من زحامها، ولا هو سوف يقضى وحده على قضية المرور التى تؤرق الذين يعيشون فيها، خصوصًا فى الفترة من الثالثة إلى الخامسة مساء أو ما بعدها بقليل، عندما يغادر الموظفون مكاتبهم.. لن يحدث هذا كله فى يوم، ولا حتى فى مائة يوم مثله، ولكن ما حدث مجرد رمز.. مجرد إظهار رغبة من جانب السلطات فى المدينة، والناس فيها، فى اتجاه التأكيد على أنهم راغبون فعلًا فى أن تكون مدينتهم هى الأجمل بين عواصم العالم!
روى لى مصرى مقيم هناك، كيف أن باريس ليست أقل زحامًا من القاهرة، بل إنها فى أوقات محددة من اليوم، كساعات خروج الموظفين كما قلت، تصبح أشد زحامًا من عاصمتنا، ولكن الفارق بين الوضع المرورى هناك، والوضع المرورى هنا عندنا، أن الزحام هناك منظم إذا صح التعبير، وأن الزحام لدينا فوضى، إذا جاز التعبير أيضًا.
وليس أدل على ذلك، إلا أن قائد أى سيارة فى باريس، إذا كسر الإشارة فإنه يفقد ست نقاط، من نقاط الرخصة التى تبلغ 12، فإذا كسرها مرة ثانية خسر الست نقاط الباقية، وتم سحب الرخصة منه، ثم منعه من القيادة تمامًا لأربع سنوات كاملة!
إنه قانون، ويجرى تطبيقه على الجميع، وليس فيه استثناء لأحد، ولذلك، تكون الشوارع مزدحمة، أو غير مزدحمة، ويكون الجميع ملتزمين كأن رجل المرور أمام أعينهم، لأنهم يعرفون جيدًا، أن عدم الالتزام له عواقب شديدة، وأن هذه العواقب تصل إلى حد المنع من القيادة، لفترة لا مناقشة فيها!
القاهرة فى حاجة منا إلى يوم، مثل 27 سبتمبر الفرنسى، بل هى فى حاجة لأيام، ونراهن فى ذلك على خالد فهمى، لعل جمالها القديم يعود.
ولابد أن الاحتفال الذى أقامته شركة «سان جوبان» الفرنسية العالمية، حول المسلة المصرية فى شارع الشانزليزيه هناك، ليس بعيدًا عن كل ما قلت، لأن هذه الشركة لم تشأ أن تجعل احتفالها بمرور 350 عامًا على إنشائها، احتفالًا وفقط، ولكنها جعلته احتفالًا صديقًا للبيئة، وللإنسان معًا، بأن قررت أن تنتج زجاجًا عازلًا للضوء وموفرًا للطاقة، ومساعدًا بالتالى، على أن تكون البيئة أنظف، ولتكون الصحة الأفضل للإنسان، كإنسان، هى الهدف!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف