الصباح
خالد عكاشة
أسرار عملية ضبط خلية تابعة لـ«داعش ليبيا» فى مصر
>>6 أجانب ومصرى دخلوا القاهرة قادمين من سرت تحت ستار السياحة بالتزامن مع الجولة الأولى للانتخابات
>> صربى وإيرانى وعقيد سابق بالجيش الطاجستانى بين المضبوطين فى القضية
>> الأمن الوطنى يفحص أسماء وهويات المتهمين بعد شكوك فى تزويرها
منذ البداية لم تخف التنظيمات الإرهابية استهدافها للمسار السياسى الذى تشكل فيما بعد ثورة 30 يونيو من العام 2013م، والذى تم اعتماده من خلال خارطة الطريق التى تكونت من ثلاث خطوات رئيسية، واعتدنا أن نواجه موجة تصعيدية تأخذ أشكالًا متنوعة من العمل الإرهابى مع كل استحقاق من هذه الاستحقاقات الثلاثة، فى الاستفتاء على الدستور ثم الانتخابات الرئاسية كان هذا النمط حاضرًا فى الفترة الزمنية التى تسبق الخطوة السياسية بأيام، ومراهنة التنظيمات الإرهابية فى مثل تلك المخططات التى تستهدف مرحلة زمنية واستحقاق سياسى بعينه يكون على سحب الاستقرار الأمنى إلى مناطق التوتر، فضلًا عن استغلاله للضوء الإعلامى الحاضر فى تلك الفاعليات والجاهز لأن يطير مثل هكذا عمليات إلى كل ربوع الأرض، وهذا يحقق لأى تنظيم إرهابى رصيدًا هائلًا من الانتشار لدى أتباعه ومناصريه، وأيضا يخصم بقوة من سمعة استقرار وسيطرة أمنية يريد نظام أى دولة فى العالم تصديرها للداخل والخارج.
الأمن فى مصر استطاع استيعاب تلك المنظومة جيدًا، وكان حاضرًا بقوة فى كلا الاستحقاقين المشار إليهما ومرا بدرجة استقرار مقبولة من الجميع، واعتمد جديتهما بالداخل والخارج وحظيا بتقدير واعتراف بالنزاهة جعلاهما خطوتين ناجحتين بكل المقاييس، وفى الخطوة الثالثة وهى الانتخابات البرلمانية لم يتغير تكتيك التنظيمات الإرهابية، بل كان العمل يدور بداخلها على قدم وساق من أجل تحقيق أو إصابة نفس الهدف السالف ذكره، وهذا أوجب عليها التحرك من أماكن تمركزها عبر الدفع بمجموعة خلايا تابعة لها لتصل إلى نقاط التأثير، هذا المسار عبر عن نفسه من خلال طريقين، خلايا يتم خروجها من سيناء لتصل إلى أطراف القاهرة العاصمة، ومن ثم الكمون فى مناطق يمكن استخدامها كملاذ آمن، وفى الوقت نفسه يصبح من اليسير تنفيذ بعض من العمليات الإرهابية فى زحام مناطق الداخل، وقد ارتكبت عملية إرهابية تعبر عن هذا النموذج فى استهداف مبنى الأمن الوطنى بشبرا الخيمة التابعة لمحافظة القليوبية، لكنها تعد أحد أحياء أطراف القاهرة الكبرى، نشط الأمن داخليًا لالتقاط تلك الخلايا الوافدة قبل استقرارها فى مناطق الدلتا المعقدة كثيفة السكان، وهى المهمة الأصعب، لأن الأمر كان يحتاج إلى قطع صارم من المنبع، وهو ما جعل عملية «حق الشهيد» التى قامت بها القوات المسلحة ضرورية وواجبة فى هذا التوقيت المبكر، فمن دون ضغط حقيقى وملاحقة للهيكل الرئيسى لتنظيم «ولاية سيناء» بالصورة التى تمت بالفعل وأنتجت نجاحًا بارزًا فى مرحلتها الأولى، لكانت الصورة بالداخل قد اختلفت كثيرًا، وتأخر الوصول إلى نقطة الاستقرار المطلوبة.
الطريق الثانى هو الجانب الغربى حيث أماكن تمركزهم ومعسكراتهم على الأرض الليبية والتنظيمات القوية هناك تراهن على هذا الطريق منذ فترة، حيث تكررت محاولات التسلل عبر الدروب الصحراوية أكثر من مرة بالتعاون مع عصابات التهريب المحترفة المنتشرة منذ القدم على جانبى الحدود الغربية الطويلة 1250 كم، وهناك بعض العمليات المحدودة التى تم تنفيذها عبر هذا الطريق، وفى نفس تلك المنطقة الغربية كان أشهرها عملية استهداف «كمين الفرارة»، وتبذل القوات المسلحة عبر قواتها وأجهزتها المعلوماتية بالتعاون مع الشرطة جهودًا هائلة فى تلك المنطقة، وإن كانت لا تحظى بالشهرة والمتابعة الإعلامية مثل سيناء، وجاءت أهم وأخطر تلك الضربات الأمنية مؤخرًا فى تمكن الأجهزة الأمنية المصرية من ضبط خلية داعشية مكونة من 6 أجانب ومصرى، لتنفيذ أعمال إرهابية فى مصر تزامنًا مع فترة انتخابات البرلمان وحدهما أو من خلال التواصل مع خلية من خلايا داعش التابعة لفرع التنظيم بسيناء، المعلومات كانت قد وردت للأمن الوطنى بتلك المجموعة من الأجانب متعددى الجنسية، وأنها تنتمى لتنظيم داعش وبالخصوص لفرعه الموجود بمدينة سرت الليبية، وأرجح بخصوص تبين دخولهم إلى البلاد عبر ليبيا بحجة السياحة أن هناك خطة أمنية نفذت عملية استدراج لهم سهلت عملية الدخول لأفراد الخلية، فقد تم رصدهم ومتابعتهم عن قرب فى جميع الأماكن التى زاروها بغرض التخطيط لتنفيذ أعمال إرهابية فى البلاد، وخلال تلك الفترة تم اختراق كل اتصالاتهم التى جرت مع أطراف بداخل مصر وبعض من العناصر فى ليبيا، وهذا الأمر كان مهمًا جدًا للأجهزة الأمنية الوصول إليه خاصة أنهم ينتمون للفرع الداعشى الليبى وجميعهم تقريبًا جنسياتهم أجنبية، فى التوقيت الذى فرغت فيه أجهزة الأمن من استخلاص كل المعلومات التى تريد معرفتها عنهم حدد الأمن المصرى لحظة المداهمة حيث جرى القبض عليهم داخل سيارة وهم يرصدون منطقة الأهرامات ومدينة الإنتاج الإعلامى بمدينة 6 أكتوبر، وجاء ذلك بعض رصدهم لبعض مواقع المحاكم والمؤسسات الأمنية، والتى كانت أيضا فى خطة استهداف الخلية المقبوض عليها.
أسماء وجنسيات أفراد الخلية المقبوض عليهم تفتح تساؤلات عديدة وعن موضعهم داخل تنظيم داعش، فالمتهمون وفق المعلومات الصادرة من الأجهزة الأمنية هم :
ـ مقصودون إشان جان، عقيد جيش سابق طاجستانى الجنسية.
ـ على أكبر عبد الله يون، صربى الجنسية.
ـ أكبر يان على طان، بيلاروسى الجنسية.
ـ محمد شير على دويلتون، أرمينى الجنسية.
ـ محمد بهائى ولاياتى، إيرانى الجنسية.
ـ بشار على عبدالله الأنصارى، سورى الجنسية.
ـ محمد أحمد فايز، مصرى الجنسية.
الأسئلة التى أظنها تخضع لعمل وفحص الأجهزة الأمنية الآن تدور حول هل هذه الجنسيات هى الجنسيات الحقيقية لتلك الخلية، أم أن أوراقهم الثبوتية والهويات ربما مزورة أو أصطنعت على هذه الكيفية، فالأسماء فى معظمها تبدو إيرانية كما هو شائع من الأسماء الإيرانية خاصة المتهمين الثانى والثالث والرابع، وربما يذهب الأمر فى اتجاه آخر حول طبيعة علاقتهم بتنظيم داعش فى ليبيا هل هى حقيقية أم أن تلك الخلية هى خلية إيرانية فى الأساس أرادت الدخول إلى مصر عبر هذا الطريق الغربى استغلالًا لحالة الفوضى الأمنية الموجودة بليبيا، وتستهدف تلك الخلية القيام بعمليات إرهابية مثل تلك التى تقوم بها فى العديد من دول الخليج، وأعلن الأمن الكويتى عن ضبط خلية مشابهة منذ نحو شهر تبين أنها تتبع حزب الله اللبنانى، وكانت قد كلفت بالدخول إلى الكويت والتواصل مع بعض المواطنين الكويتيين لتنفيذ عمليات إرهابية ضد بعض الأهداف بغية إشعال الاحتقان الطائفى، وقد نجح الأمن الكويتى فى الوصول إلى أعضاء الخلية قبل ارتكابها للعمليات التى خطط لها، إلقاء الأمن الكويتى القبض على تلك الخلية كان ضربة استباقية ناجحة خاصة بعد الإعلان عن لائحة الأهداف التى كان مخطط استهدافها، والتى تمثلت فى العديد من مرافق الدولة ومبانيها الحكومية فضلًا عن مجموعة من المساجد السُنية والشيعية من أجل إنتاج حالة من الاحتقان والتوتر الطائفى فى الداخل الكويتى.
أوراق القضية رقم (13250 ـ حصر تحقيق جنايات الجيزة)، برئاسة عبد الله فهمى رئيس النيابة الكلية وبإشراف أحمد البقلى المحامى العام الأول تحوى العديد من التفصيلات المبدئية، منها أنه تم ضبط بحوزة المتهمين 6 أجهزة «لاب توب» مجهزة للدخول على شبكة الإنترنت، وبها جميع شعارات تنظيم داعش وأنصار بيت المقدس، فضلًا عن بعض الملابس التابعة للجيش والشرطة، و3 خناجر، وبندقية آلية وعدد من الدوائر الإلكترونية والمعدات ذات الصلة، ومبالغ مالية كبيرة بالعملات الأجنبية والمصرية وأدوات عسكرية «لم يفصح عن طبيعتها»، كما أثبت بالقضية أيضًا فى التحقيقات المبدئية اعتراف المتهمين بالتحريض عبر مواقع التواصل الاجتماعى وشبكة الإنترنت لحث المواطنين على عدم النزول والتصويت فى الانتخابات البرلمانية، والقيام بأعمال عدائية وبث لقطات وصور ومقاطع عبر هواتف الثريا، لإثارة الذعر فى البلاد.
تم إحالة المقبوض عليهم للنيابة التى أمرت بحبسهم 45 يومًا حبسًا مطلقًا على ذمة التحقيقات، بتهم الانضمام لتنظيم داعش وإثارة الذعر والفزع وضرب المصالح الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، قد يكون هذا الحبس الاحتياطى والتحقيق الأولى قد وضع هذه الأشخاص فى دائرة الاتهام بداية لكن يظل ما وراءهم من معلومات وتوجهات يحتاج للمزيد من الجهد الأمنى، وهو ما يمكن تنفيذه خلال الأيام المقبلة حتى يتم قطع الطريق على أى شكل من أشكال التنظيمات الإرهابية التى أصبحت اليوم عابرة لحدود الدول وربما للقارات أيضًا، فهؤلاء القادمون من أقصى الشرق إلى الساحل الإفريقى الشمالى ليدخلوا إلى مصر بغرض تنفيذ عمليات إرهابية من قام بتدريبهم وتكليفهم بهذه المهمة، ولأى تنظيم حقيقى ينتمون فربما يستغلون تنظيم داعش كستار لما هو أكبر وأخطر، وكون أحد المتهمين ضابطًا سابقًا فى الجيش الطاجيستانى لا يثير الدهشة فى الوقت الحاضر لأن معظم التنظيمات الإرهابية الكبيرة أصبحت اليوم تضم فى صفوفها تلك الكوادر التى تحرص على وجودها داخل المواقع القيادية بتلك التنظيمات، وتعدد جنسيات أعضاء تلك الخلية ليس بمستغرب اليوم أيضًا فى ظل عولمة الإرهاب التى أصبحت هى القاعدة السائدة الآن فى كل العناوين الإرهابية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف