الصباح
ياسر ثابت
حيتان تجارة العملة فى مصر
بسعر يزيد قليلً عن السعر الرسمى للعملات يشترى تاجر العملة الدولار من السوق.. يجمع ملايين الدولارات.. ويبيعها بسعر أغلى لمن يرغب فى دقائق قليلة يربح مئات الألوف.. وتتكرر اللعبة كل يوم.
باستثناءات بسيطة احتكر الإسلاميون تجارة العملة فى السبعينيات والثمانينيات قالوا إنها تجارة حلال وأرباحها تزيد على أرباح أى تجارة أخرى.. ما لم يقله «الإخوان » أن تجار المخدرات هم أكبر مشترٍ لدولاراتهم التى يجمعونها من الناس.
اختفت تجارة العملة فى التسعينيات بعد تحرير سعر الصرف.. لكنها عادت لتطل برأسها مرة أخرى الآن.. القضية الأخيرة التى ألقى القبض فيها على عدد من أصحاب شركات الصرافة الإخوانية تقول إن الإخوان عادوا لملعبهم المفضل، ولكن الأكيد أن هناك تجارًا آخرين للعملة فى انتظار الكشف عنهم.
تاريخيًا كان سامى على حسن هو الأب الروحى لتجارة العملة فى مصر.. وسبقه وتواكب معه القيادى الإخوانى الحاج أحمد عبيد الذى كان يلقب بوزير مالية الإخوان، لكنه لم تتم محاكمته مثلما حدث مع سامى على حسن.. الذى كان الأستاذ الفعلى لأشرف السعد وأحمد الريان اللذين بدآ كصبيين فى سوق تجارة العملة ثم تحولا إلى حوتين كبيرين فى عالم توظيف الأموال.
سامى على حسن الذى قدرت ثروته فى الثمانينيات ب 400 مليون جنيه وضعت أمواله تحت حراسة المدعى العام الاشتراكى حتى عام 2006 ..وقد وصفته تحريات مباحث الأموال العامة بعض القبض عليه
>> سامى على حسن.. «إمبراطور الدولار» فى الثمانينيات بتعاملات بلغت 2 مليار جنيه سنويًا
>> أشرف السعد بدأ محاسبًا وسائقًا براتب 40 جنيهًا.. والشراكة مع «الريان» وصاحب مطعم جعلته يتحكم فى المليارات
>> ألف جنيه فى كافتيريا بالدقى حولت «الريان» إلى أشهر حيتان تجارة العملة فى التاريخ
>> «سامى» يطالب البنوك برد 400 مليون جنيه من مستحقاته بعد التحفظ على أمواله 26 عامًا
>> المؤسس الحقيقى لشركات الصرافة بدأ المسيرة من بنك قناة السويس وسدد ديون بنك الإسكندرية

السطور التالية تفتح ملف تجارة العملة فى مصر وأباطرتها الكبار الذين أسسوا هذه السوق الموازية أو السوداء، بعيدًا عن البنوك والاقتصاد الرسمى.
سامى على حسن، هو أكبر تاجر عملة فى فترة الثمانينيات والملقب بإمبراطور الدولار، والذى وصفته تحريات مباحث الأموال العامة فى ذلك الوقت بأنه «يمثل بشخصه بنكًا خاصًا من حيث ضخامة الأموال الأجنبية التى يتعامل بها يوميًا، والتى تفوق حجم استثمارات البنوك الكبرى».
استفاد سامى على حسن من شقيقه الذى كان يعمل كمحاسب بإحدى شركات الأسمدة بالكويت عن طريق جلب أموال مدخرات العاملين من زملائه هناك عن طريق ما يسمى بعمل المجموعات، وهم مجموعة من الأفراد يعملون بمناصب قيادية مثل الناظر فى المدرسة، والمدير فى الشركة، ليُكوِّنوا على رأس هذه المجموعات، وتحديد كل مجموعة من 10 إلى 15 فردًا يقومون بنقل المعلومة على الأموال المتبادلة حتى تصل لذويهم بعد يوم أو اثنين عن طريق تجميع الأموال من شخص لآخر وإيداعها بحسابات بنكية بالخارج ثم يتم تحويلها على حسابات بنكية محلية داخل مصر وكان لسرعة دوران المال دور كبير فى ازدياد الثقة مما تبعه زيادة فى حجم الأموال سنة بعد سنة.
بلغ حجم هذه التعاملات حسب إحصائيات البنك المركزى مليارى جنيه مصرى سنويـًا، كان لسامى على حسن نصيب الأسد منها
ويذهب سامى على حسن إلى القول بأنه أسدى الاقتصاد المصرى، وخاصة القطاع المصرفى خدمات جليلة، قائلًا إنه ساعد بنك الإسكندرية، وبه جميع حسابات شركات القطاع العام فى ذلك الوقت، وكان أكبر بنك مدين فى تلك الفترة، ويؤكد سامى على حسن أنه كان المؤسس الحقيقى لشركات الصرافة فى مصر والدكتور مصطفى السعيد، وزير الاقتصاد فى تلك الفترة، لم يستوعب التجربة فى وقتها وتمت إقالته.
ويشرح سامى كيف كان يسعى فى اتجاه إقامة منظومة للصرافة فى مصر بخلاف منظومة التوظيف التى لم تسفر عن شىء حتى الآن، وكانت البداية من بنك قناة السويس فقد اجتمع سامى وعدد من كبار تجار العملة مع توفيق زكريا، رئيس البنك بعدما رأى من ازدياد حجم أعمال سامى فى البنك، وتم الاتفاق على عمل منظومة لتنظيم هذا العمل كشركات ذات ترخيص تعمل فى نشاط الصرافة مثل الصرافين العرب.
وأصبح سامى على حسن بطل أكبر قضية يحقق فيها جهاز المدعى الاشتراكى وعمره 31 عامـًا، يومها قال د.مصطفى السعيد وزير الاقتصاد فى تلك الفترة إن سامى كان ضمن أكبر 3 تجار محتكرين لسوق العملة فى ذلك الوقت بنسبة 90 فى المائة وإنه استطاع القضاء عليهم.
وفى أثناء محاكمته أمام المدعى العام سأل سامى على حسن أحد القيادات الأمنية المسئولة عن متابعة قضيته أثناء إحدى الجلسات، وهو اللواء علاء عباس، وقال له: هل كنت أجلب العملة للداخل أم كنت أصدرها للخارج؟ فأجاب بأن سامى كان يجلبها للداخل، وهنا صاح سامى على حسن من محبسه قائلًا «يعنى أنا كنت عامل مفيد للبلد».
بعد 26 عامـًا من فرض الحراسة عليه قضت المحكمة فى جلسة سبتمبر 2006 بإنهاء الحراسة ورفض طلب المصادرة بعد براءة ذمته من كل ما نسب إليه، وزوال ولاية جهاز الكسب غير المشروع والذى حل محل جهاز المدعى الاشتراكى، ليطل برأسه على الأحداث من جديد ويقيم دعاوى قضائية على عدد من البنوك المصرية لمطالبتها برد مستحقاته المالية التى تجاوزت 400 مليون جنيه وغيرها من النقد الأجنبى.
من نافذة سامى على حسن، قفز كثيرون إلى هذه التجارة المربحة، ومنهم أشرف السعد والريان.
يقول سامى على حسن: «أحد الأصدقاء أوصانى على محمود رضوان وعن طريقه بدأ يظهر لى أشرف السعد والريان وفتحى توفيق وشعرت فيهم بنبرة ونزعة دينية جيدة، مما دفعنى لتشغيلهم فى جمع العملة بعد احتياجى لعدد كبير من الأفراد نظرًا لسرعة ودوران وتداول رأس المال بمعدل عال وقمت بعمل ما يسمى بمركز تجميع العملة داخل البنوك المصرية، وأصبحت صالات البنوك المصرية هى مصدر التمويل لحساباتى وبدأت الصالات تمتلئ بالأفراد ومن ضمنهم الريان والسعد، حيث تولى الريان مهمة تجميع العملة داخل بنك قناة السويس، وأشرف السعد البنك الوطنى المصرى، وقد كانا يقومان بجمع الأموال من الصالة ووضعها فى حسابى وبعدها أخذا خطًا آخر وهو مجال توظيف الأموال وبدأوا يقلدون شركات الشريف للبلاستيك؛ لأن الشريف كان سابقًا لكل شركات التوظيف فى تلك الفترة، وكنت أعمل فى تجارة العملة، وتوظيف الأموال مختلف فأنا أقوم بتحويل فوائض أموال العاملين فى الخارج لمصر، وأصبح التحويل ضخمًا وفوائض الأموال مع المصريين كبيرة والأموال مكدسة فى البنوك بفوائد قليلة 8 فى المائة و9 فى المائة فائدة، وتوظيف الأموال جاء بفائدة 24فى المائة والكل يتسابق على زيادة رأس ماله وللأسف كان هذا التوظيف نوعًا من أنواع الاستثمار غير المجهز له».
أشرف السعد عمدة المصريين الهاربين إلى لندن الذى اشتهر بلقب ملك توظيف الأموال فى مصر كان واحدًا من أشهر الأسماء التى ظهرت فى مصر مع بداية الثمانينيات من القرن العشرين، وصاحب شركة «السعد‏» لتوظيف الأموال وألقى القبض عليه فى سنة ‏1991‏ بتهمة تهريب أموال المودعين إلى الخارج وعدم استثمارها فى مشروعات حقيقية، كما كانت تؤكد دعاية هذه الشركات وباقى الشركات التى ظهرت فى هذا الوقت وقضى ‏18‏ شهرًا داخل السجن حتى أخلى سبيله‏...‏ وهرب بعدها إلى باريس ومنها إلى لندن المقيم بها حاليـًا‏.
يحكى أشرف السعد بداياته مع تجارة العملة قائلًا:
«عملت لدى واحد من كبار تجار السيارات فى مصر، وكان راتبى فى الشهر ‏40‏ جنيهـًا وكنت أعمل لديه محاسبـًا وسائقـًا فى أحيان أخرى. وبدأت الناس تعرفنى من خلال عملى فى معرض السيارات لدرجة أن البعض اعتقدوا أننى صاحب المعرض وليس الرجل الذى أعمل لديه. وكان بعض العملاء يطلبون منى تغيير العملات، وكنت قد تعرفت على محمد رضوان صاحب كافيتريا‏ «رضوان» بالدقى والذى كان يعمل فى تجارة العملة، وهو ما جعل مهمتى سهلة فى تغيير العملة. واستمر الحال بى هكذا حتى تصادف سفر صاحب المعرض وكانت هناك صفقة سيارات تتطلب ما يعادل مبلغ ‏120 ‏ ألف جنيه بالدولار، وهو مبلغ كبير جدا فى هذا التوقيت، ومن هنا بدأ طريقى لتجارة العملة.
أما أحمد توفيق الريان فقد كان شابـًا حاصلًا على بكالوريوس طب بيطرى وأميرًا للجماعة الإسلامية بالكلية، وكان يبيع منتجات البلاستيك من مصانع الشريف فى شارع سليمان جوهر ويتقاضى نحو ‏30‏ جنيهـًا فى الشهر. وذات مرة التقى الريان مع أشرف السعد فى كافيتريا «رضوان» وكان معه محمد رضوان وكانت تربط الريان والسعد لغة الخطابة الدينية واللحية. وفى هذه المقابلة كان أحد أقارب الريان يريد تغيير العملة، وتحديدًا دنانير كويتية، وحينها كسب الريان ألف جنيه، ولم يصدق نفسه لأنه يكون هذا المبلغ فى سنة كاملة من العمل المتواصل. وقتها قال الريان للسعد ومن معه بالحرف الواحد‏ «أشهد الله أننى معكما فى تجارة العملة‏».
وبدأ الريان العمل مع رفاقه فى جمع العملة وتغييرها وأصبح الريان والسعد شريكين مع محمد رضوان فى هذه التجارة المربحة وبدأ الثلاثة يتوسعون فى تجارة العملة وطلب منهم أحد العملاء تدبير مليونَى مارك ألمانى، وكان هذا المبلغ -حينذاك- من الأرقام الكبيرة. وخلال شهور معدودة كانت حجم تعاملات السعد والريان ورضوان تفوق الـ‏500‏ مليون دولار شهريـًا‏.
تعرف الثلاثة وخاصة الريان والسعد، على رؤوس تجارة العملة فى كل محافظات مصر، لكن فى هذا التوقيت كانت الدولة قد بدأت تشن حربـًا ضارية ضد تجارة العملة‏، وكان سامى حسن من أوائل التجار الذين صدرت فى حقهم أوامر اعتقال وألقى القبض عليه.
وجد السعد نفسه فجأة المسئول عن كل أعمال سامى حسن فى تجارة العملة فبادر إلى فتح حساب باسمه فى البنك لتلقى العملات من العملاء وتغييرها وكان يتلقى فى اليوم الواحد نحو ‏12‏ مليون دولار ويربح من تغييرها الملايين دون أن يمتلك دولارًا واحدًا من كل المبالغ التى توضع فى حسابه بالبنك، حيث كان يضع الأموال فى الحساب الخاص به ثم يسحبها فى اليوم التالى بعد أن يقوم البنك بتغييرها ويتولى هو بدوره ردها للعميل بعد الحصول على مكسبه فى عمليات التغيير.
غير أنه مع استمرار مواجهات الدولة لهذه التجارة، قرر السعد أن يعود إلى السنبلاوين وافتتاح معرض سيارات هناك‏ ليكون ستارًا لتجارة العملة وتكون تجارة السيارات هى الواجهة. وبالفعل استأنف السعد نشاطه الأصلى فى تجارة العملة‏، قبل أن ينتقل مع الريان إلى لعبة شركات توظيف الأموال.. وتلك حكاية أخرى.‏‏‏
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف