الوفد
عباس الطرابيلى
البط البلدي.. والسمان: لماذا؟
.. ويستمر عشق الدمايطة لكل ماهو صغير الحجم، فيما يأكل الناس.. فإذا كان معظم المصريين يعشقون سمك البوري، والكبير بالذات، فإن الدمايطة يعشقون ـ من العائلة البورية ـ أسماك الطوبارة والجرانة ـ ويطلقون عليها اسم «القطع» بفتح القاف وتسكين الطاء، ومن نفس العائلة البورية يحبون سمك السهيللي.. وهي سمكة من أسماك البحر الأحمر، ولكنها بعد حفر قناة السويس عام 1869 زحفت هذه السهلية من البحر الأحمر جنوبا وتقدمت لتستوطن البحيرات المرة.. والتمساح.. ثم تقدمت شمالاً لتصل إلي مياه البحر المتوسط شمالاً وتنتشر فيه. وهناك في بحيرة البردويل في شمال سيناء نجد سمكة من العائلة البورية اسمها الدهبانة ونجح زارعو الأسماك في استزراع سمكة من نفس العائلة أطلقوا عليها اسم الهلالية.. وكل هذه الأسماك أفضل ـ عند الدمايطة ـ من البوري كبير الحجم، الذي يعشقه بقية سكان مصر.. وبالمناسبة الآن بدأ موسم البوري المبطرخ. والدمايطة يقومون الآن بفتح بطن البوري وإخراج ما بها من بيض هو البطارخ.. وكيلو البوري المبطرخ الآن ثمنه 70 أو 75 جنيهاً.. و يبيعون في دمياط كيلو البطارخ الطازج بسعر 150 جنيهاً علي الأقل ثم يبيعون كيلو البوري ـ بعد نزع بطارخها ـ ويطلقون عليها «فوارغ» أي فارغة من البطارخ بسعر لا يصل إلي 20 جنيهاً ليحولوا إلي «صيادية» أي مع الشوربة الحمراء والأرز الأحمر!!
<< ونجد البريوني.. وهي سمكة تعيش ولا تأكل إلا الجمبري فقط. وعشاقها يدفعون في الكيلو الآن ما بين 70 و80 جنيهاً.. وأهل مصر يحبون البريوني كبير الحجم.. أما الدمايطة ـ ومن منطقهم بأن كل ماهو صغير هو لذيذ ـ فإنهم يعشقون أكل البريونى صغير الحجم ويفضلونه مقلياً والقليل من يحبه مشوياً.. وهي سمكة دهنية وهي الوحيدة التي لا تحتاج إلي زيت غزيز لإتمام عملية القلى.. ومن نفس المنطق فأنا والدمايطة يعشقون سمك الدنيس صغير الحجم، أي حوالي نصف كف اليد.. وياسلام علي هذا الحجم مشوياً..
<< ومن نفس السياسة نجد أن سر شهرة الفول المدمس الدمياطي زمان هو «الفول البلدي صغير الحجم» وليس الفول الرومي المحلي.. أو حتي الفول الكندي والأسترالي الذى يستخدمه صانعو المدمس الآن. والفول البلدي الصغير يتحول إلي «زبدة» خصوصاً لو تمت تسويتها في جورة الأفران البلدية علي الرماد الساخنة.. وقشرتها رقيقة أي خفيفة علي المعدة وعملية الهضم..
والبعض يعشق حبات الطعمية الكبيرة المحشوة بالشطة والثوم، بينما الأفضل هي الطعمية صغيرة الحجم لأنها بذلك يتم تسويتها بالكامل، حتي ماهو في القلب.. أما كبيرة الحجم فتجد قلبها لم تتم تسويته تماماً.. ولهذا كانت طعمية وهيبة في سوق الحسبة ـ قديماً ـ هي الأفضل مع طعمية عم حمزة.. وطعمية التابعي الدمياطي حديثاً.. وجربوا الطعمية الصغيرة المقرمشة.. تامة النضج!!
<< ومع كثرة الطيور المهاجرة من شمال أوروبا نجد البلبول والخضيري والحمراي والزرقاي.. وهي كبيرة الحجم، ورغم جودتها إلا أن الأفضل هو الشرشير.. ولكن ليس هناك أفضل من السمان: محشياً بـ «المرتة» وهي خلطة من بصل وكمون وحبهان وقرفة.. أو مشوياً، والبعض يأكله في طواجن تماماً مثل طواجن الحمام.. ولقد عشت عصراً كان حبل السمان ـ والحبل هو 10 طيور ـ بأربعين قرشاً.. الآن هذا الحبل يباع بحوالي 50 جنيهاً.. وياسلام علي أكل بيض السمان.. والسمان المهاجر يرفض تناول أي طعام بمجرد وقوعه في الأسر.. وأحياناً ينتحر السمان بضغط رقبته بين كتفيه حتى لا يتم أكله!!
<< وحتي البط.. هناك المرجان وهو أكثر وسامة.. والسوداني وهو مشهور بلحم الصدر.. ولكن البط الدمياطي الحقيقي الذي يعشقه الدمايطة ويتعاملون معه كحلويات.. فهو البط البلدي الصغير الذي يذوب في فم الآكلين.. من حسن تسويته بعد حشوه أيضاً بهذه الخلطة ـ السحرية «المرتة».. تماماً كما يحب الناس الخروف أو المعزة الأوزي.. بسبب جودة لحم صغير الحجم منها.. والدمياطي ـ عموماً ـ لا يحب كثيراً أكل «الأوز» بسبب كبر حجمه ويفضل عليه البط لأنه أصغر حجماً..
<< تلك هي بعض حلويات الدمايطة.. ولا يشترط أن يكون الحلو مسكراً.. فالحلاوة هي في طعمها بسبب صغر حجمها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف