محمد جبريل
الأقصي والبحث عن حضارة إسرائيلية
إذا تأملنا الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة بمحاولة السطو علي الجامع الأقصي والقدس كلها. فإن السبب الحقيقي أبعد ما يكون عن الدين. نحن ندافع عن الأقصي لقداسته العالية في وجدان المسلمين. إنه أولي القبلتين وثاني الحرمين وتأكد مكانته في التاريخ الإسلامي بمعجزة الإسراء والمعراج. يجعل له وللقدس الشريف. قيمة دينية عليا. أما الادعاءات الإسرائيلية فاللافت أن الكثير من قادتها يتباهون بعدم ترددهم علي المعابد اليهودية. بما يشي أن الهدف هو ادعاء تاريخ غير موجود وحضارة لم تفلح التنقيبات التي أصابت الأقصي بشروخ وتصدعات في الكشف عن أثر واحد تنسبه إلي حضارة لم تكن موجودة.
مشكلة إسرائيل ـ إذا تجاوزنا أنها هي نفسها مشكلة في الجسم العربي! ـ أنها بلا حضارة حقيقية تدعي نسبتها إليها. فهي تحاول من ثم أن تخلق لنفسها تلك الحضارة. نسبت إليها الكثير من آداب العرب وفنونهم. وتاريخهم أيضا نسبت إسرائيل إلي نفسها كل التراث الفلسطيني: رقصة الدبكة. الأطعمة الشرقية الشهيرة مثل الفول والفلافل والتبولة والشاورمة وغيرها حتي الكوفية الفلسطينية بدلوا تصميماتها. وادعوا ملكيتها!.
وإذا كان الكثير من الدراسات العربية قد عني بأوجه التشابه أو التماثل في الموروث الشعبي بين الأقطار العربية. فإن الدراسات الصهيونية حاولت ـ بتعمد ـ إزالة الحدود تماماً. وخلط الحابل بالنابل. بحيث يصبح التراث / الموروث العربي جزءاً من تراث إسرائيل. والعكس ليس صحيحاً!. ويتحدث فرج العنتري عن المركز البحثي اليهودي في صحراء النقب. هدفه التقليب في تراث المنطقة العربية. وانتخاب ما يتواءم مع ما يريدون من تراث إسرائيلي!.
إن أهم ما تشتمل عليه خصائص أي دولة هو الذاكرة القومية. بداية من المعتقدات والعادات والتقاليد حتي سلوكيات الحياة اليومية. وقد حاول اليهود ـ منذ أقاموا دولتهم ـ أن يخترعوا الذاكرة القومية التي ترتبط بالوجود الصهيوني في أرض فلسطين. وكان الاسهل السطو علي ما تزخر به المنطقة من التراث والموروث. فهم ينسبون كل ما في المنطقة إلي حضارة يريدونها. وإن لم تكن قائمة بالفعل. ولعله يمكن القول إن إسرائيل بها مدينة متقدمة. لكن الحضارة تظل أمنية مستحيلة!.
المجتمع الإسرائيلي في أرض فلسطين بلا ذاكرة حقيقية ذكرياته تعود إلي البلدان التي كان يعيش فيها غالبية اليهود الذين ارتحلوا إلي فلسطين. قبل ذلك لم تكن ذاكرة أو أنها شاركت بعض الشعوب ـ التي كان اليهود بعض مواطنيها ـ ذاكرتها الجمعية. ثمة ذاكرة إنجليزية وفرنسية وروسية. أما الذاكرة القومية. أعني ذاكرة اليهود الذين استوطنوا فلسطين فهي غائبة أو شاحبة في أقل تقدير فالتراث والموروث ينتميان إلي الشعب الفلسطيني. بالإضافة إلي الشعوب التي ظل اليهود مواطنين فيها. حتي أتاحت لهم القوي الاستعمارية إنشاء دولة إسرائيل.