الوطن
عمار على حسن
مساعدة الدولة للإخوان والسلفيين (2-2)
سيذكر التاريخ، حين يُتاح لمنصفين أن يكتبوه، أن الرئيس المخلوع حسنى مبارك، الذى خلعته ثورة يناير، كان النصير الأول لجماعة الإخوان المسلمين، رغم ما كان يبديه لها من كراهية ظاهرة، انعكست فى إجراءات قسرية تتابعت دون هوادة ضد الإخوان، ورغم ما كان يعلنه نظام «مبارك» من خطاب صارخ، عن «مدنية الدولة» وعن «الجماعة المحظورة» وعن «الإصلاح السياسى» المتعثّر والمتدرّج، وعن «تقوية الأحزاب السياسية»، فقد جفّف الحياة السياسية المصرية، حين ردم كل المنابع والمنابر الحقيقية للمشاركة الفعالة، وحوّل الأحزاب إلى «ديكور» بعد أن أوقف نموها بإجراءات التقييد الصارم التى نبتت على ضفاف قانون الطوارئ، ففتح الباب وسيعاً للإخوان كى يتمددوا فى المجتمع من دون منافس، بل إن ضغوط «مبارك» على الإخوان من كل اتجاه حولتهم فى نظر الناس إلى «ضحايا» أو «استشهاديين سياسيين محتملين» أو «مناضلين»، فتعاطفوا معهم بقوة، وأضافوا إليهم كل رصيد كان يخسره النظام وحزبه الشائخ، ووجدوا فيهم «البديل» رغم أن مشروع الإخوان لم يكن قد نضج بعد، وهو ما ثبت ببرهان ناصع حين تولوا السلطة بعد ثورة يناير.

وحين أراد «مبارك» أن يواجه الإخوان فى الساحة الاجتماعية المفتوحة لم يعطِ التيار المدنى فرصة للقيام بهذه المهمة، بل اعتمد على السلفيين بشتى اتجاهاتهم، إلى درجة أن أجهزة الأمن كانت حين ترصد نشاطاً مفرطاً لإخوانى فى قرية أو حى ما تستدعى شيوخ السلفيين فى المكان لتسألهم: كيف تركتم له مجال الدعوة، فجذب الناس إليه، وأخذهم منكم؟

وبعد الثورة فضّل المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى أسند إليه «مبارك» السلطة بعد تخليه عنها، التعامل مع الإخوان والسلفيين عن التعامل التيار المدنى، لأنهم مجموعات منظمة يسهل التعاطى معها بالنسبة لقادة عسكريين اعتادوا النظام وطاعة الأوامر. وساعد على هذا التوجه أن الولايات المتحدة الأمريكية ضغطت من أجل إعطاء «الإخوان» فرصة للحكم.

ولا يقتصر الأمر على الإخوان والسلفية النازعة إلى السياسة، بل يتم التعامل بالطريقة ذاتها مع الجمعيات الخيرية الإسلامية، حيث بيّنت العلاقة بين الدولة وهذا النوع من الجمعيات فى عهد «مبارك» إلى منهاج حكومى مفاده أن «النظام السياسى لا يسعى فى ظل استراتيجية الدمج التنظيمى للجمعيات الدعوية إلى تغيير الأصل الأيديولوجى لها، إنما يهدف إلى عدم تحولها إلى مصدر من مصادر دعم جماعات سياسية معينة، ومع هذا فشل نظام «مبارك» فى تحقيق هذا الهدف إذ سرعان ما استغل الإخوان والجماعة الإسلامية والجهاديون هذه الجمعيات فى التمدد الاجتماعى، وتوفير الدعم اللوجيستى لمجموعاتهم التى تلعب أدواراً سياسية ظاهرة.

ومن هنا فإن أداء السلطات التى تعاقبت على حكم مصر ساعدت التيار الدينى، على اختلاف جماعاته وتنظيماته، على التمدد الاجتماعى، سواء بشكل غير مباشر من خلال انسحاب الدولة من تقديم الخدمات، وضربها المتتابع للتيار المدنى الذى يُطالب بتداول السلطة والتعدّدية السياسية واحترام الحقوق والحريات العامة، واتباعها إجراءات قسرية فى بعض الأحيان يستغلها أتباع هذا التيار فى كسب التعاطف الشعبى معهم، أو بشكل مباشر عبر إبرام الصفقات الأمنية مع الإخوان وغيرهم مثلما تم فى عهد «مبارك» أو توظيفهم فى ضرب اليسار كما فعل «السادات» أو استخدامهم فى التخلص من الأحزاب السياسية كما دبر «عبدالناصر»، أو ضرب الحركة الوطنية المصرية التى كان يتزعّمها «الوفد» حسبما خططت ونفذت أحزاب الأقلية التى ناصبت «الوفد» العداء، أو صارعته على السلطة.

ولعب التيار الدينى على هذه التناقضات والتقلبات بين المصالح والأيديولوجيات وتمكن من جعل خطه البيانى يسير دوماً فى تصاعد نحو السلطة السياسية من خلال تعميق وجوده اجتماعياً، عابراً الطبقات والشرائح والفئات، ومستنداً إلى «التنمية القاعدية» كأسلوب لمخاطبة المواطن المصرى، خاصة فى الفئات الوسطى والدنيا، لينجح فى جذبها إليه قبل أن تنفض عنه بعد انكشاف نواياه الحقيقية، ووجود هوة واسعة بين الشعارات التى يرفعها وقدرته على تطبيقها فى الواقع المعيش.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف