الوطن
امال عثمان
الشعب «الميكس».. كل حاجة والعكس!
من يتأمل الأحداث ويرصد أحوال المجتمع يدرك أننا أصبحنا نعانى حالة من الانفصام والتناقض الشديد بين أقوالنا وأفعالنا، وبات لدينا نوع من الازدواجية فى التفكير والمعايير والآراء، نقول أشياء ونفعل عكسها، نتمادى فى ارتكاب الأخطاء والمخالفات، ثم نلقى باللوم على الآخرين، نطالب بالديمقراطية ونتقاعس عن ممارستها، نتعايش مع النفاق والقبح، لكننا نرفض التصريح به، نتغنى بحب الوطن وعشق ترابه، ثم نفتعل ضده الأزمات ونروج عنه الشائعات، لا تزعجنا الحقائق المرة، لكننا نرفض الاعتراف بها، لقد صرنا بحق شعب «ميكس» كل حاجة والعكس!!

نطالب بتطبيق القانون ومحاسبة المخطئين، لكننا نتفنن فى التحايل على القوانين وتبرير المخالفات والأخطاء!! ندعى الفضيلة والأخلاق وندعو لمحاربة الفساد، ولا نجد أى غضاضة فى الكذب والمراوغة، ونمنح أنفسنا الحق فى تقنين الفساد عند اللزوم، وإباحة المحظورات عند الضرورات!! نهاجم الحكومة ونتهمها بالتخاذل والإهمال والتقصير، وفى الوقت نفسه نتقاعس عن العمل ونهرب من المسئولية والالتزام!! ننتقد الإعلام ليل نهار ونكيل الاتهامات للإعلاميين، ونحسب أنهم يشوهون الحقائق ويختلقون الوقائع، ونزعم أنهم ينتهكون حرمة الحياة الخاصة، ويتاجرون بكرامة المواطنين وبمشاكل الوطن وهمومه، ثم نتكالب على مشاهدة برامج الإثارة والتشويه ونروج لها ونتبادلها على مواقع التواصل الاجتماعى، ونصنع من أصحابها زعماء وقادة رأى مفوهين وأبطالاً فوق المحاسبة وفوق القانون والدولة!!

لا نترك فرصة لمطالبة المسئولين بالشفافية والوضوح والصراحة، وحين يصارحنا مسئول بالحقيقة نشن ضده هجوماً ضارياً ونطالب بإقالته، وإعدامه رمياً بالرصاص فى ميدان عام!! نشكو من الفقر ولدينا أغنى أنواع القمامة فى العالم، نصرخ من ارتفاع الأسعار، وفى يد كل مواطن بدل الموبايل اثنين وثلاثة!! نزعم أن التعليم فى مصر مجانى، فى حين يدفع الأهالى دم قلبهم على الدروس الخصوصية لتعليم أبنائهم!! نحسب أن لدينا أحزاباً سياسية ولا نجد لها مكاناً فى الانتخابات على أرض الواقع، نقر دستوراً يحظر الأحزاب القائمة على أساس دينى، ثم نسمح للتيارات الدينية باستنساخ أذرع تحت مسمى «حزب سياسى».

لذا لم يكن غريباً أن يتراجع رئيس حزب النور عن تصريحاته حول نزاهة العملية الانتخابية بعد الهزيمة الساحقة التى مُنى بها الحزب فى الجولة الأولى للانتخابات البرلمانية، وأن يبحث عن «شماعة» ليعلق عليها الفشل والسقوط المدوى!! ويتهم الانتخابات بالتزوير والانتهاكات والتجاوزات والضغوط، وتدخل الدولة لصالح أطراف محسوبة على السلطة!! كما لم يكن غريباً أيضاً أن تستخدم قيادات الحزب السلفى «سلاح» التهديد والتلويح بالانسحاب من المعركة الانتخابية بهدف إحراج النظام أمام المجتمع الدولى، ودفعه لخطب ود الحزب وكسب رضاه، ومنحه بلح الشام أو عنب اليمن، لتسديد فاتورة الوقوف معه فى ثورة 30 يونيو ودعمه خارطة الطريق!! ولم يكن مستغرباً أبداً أن تعتبر قيادات الحزب أن إنقاذ ما يمكن إنقاذه فى المرحلة الثانية مهمة «دينية مقدسة» تتحول من أجلها المعركة الانتخابية من صراع سياسى إلى حرب دينية مقدسة من أجل الهوية الإسلامية!! ويجند الحزب من أجلها فتاوى شيوخ التيار السلفى، لحث أنصارهم المتعاطفين مع جماعة الإخوان المحظورة، وكذلك المعارضون لحزب النور على مساندة المرشحين فى المرحلة الثانية للانتخابات، باعتبار أن «النور» الحزب الوحيد فى الانتخابات ذو المرجعية الإسلامية!!

ألم أقل لكم يا سادة إن حزب النور ليست له علاقة من قريب أو بعيد بالأحزاب الدينية؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف