منذ بدأ الوحى، وسماع رسالة السماء إلى البشرية، والتحديات تكثر يوماً عن يوم، لتشويه صورة الإسلام. نجح بعض المستشرقين فى ذلك، فأضلوا غيرهم، خصوصاً من الغربيين، وفشل بعضهم، ثم بذل قليل منهم جهداً كبيراً فى فهم الإسلام والحديث عنه.
نجحت «داعش» اليوم فيما لم ينجح فيه المستشرقون والملحدون، حتى من قالوا إن الدين أفيون الشعوب، لأنهم قدموا بما لا يدع مجالاً للشك صورة شائبة جداً عن الإسلام والمسلمين.
وصلتنى عدة رسائل مكتوبة وشفوية عما فعله الداعشيون الليبيون ومن معهم من جرائم بشعة فى المواطنين المصريين المسالمين الذين ذهبوا إلى ليبيا من أجل لقمة العيش، ولو وجدوها فى مصر لما ذهبوا إلى ليبيا، حتى إن بعضهم يفضل البقاء تحت التهديد والوعيد بدلاً من العودة إلى البطالة والعشوائيات. حزن المصريون لما أصاب فلذات أكبادهم، وغضبوا غضباً شديداً لم يذهب به -كلاً أو جزءاً- إلا الرد الذى قامت به القوات المسلحة المصرية على بعض مواقع تنظيم «داعش» فى ليبيا.
نحن نقول «داعش» فى ليبيا، والحقيقة أن هذا التنظيم الإرهابى كان مقصوراً على العراق وسوريا، ولكن النجاح حتى فى التدمير والتخريب وقتل النفس التى حرّم الله قتلها إلا بالحق له بعض الأنصار، وهو يغرى السفهاء، وبعض من بضاعتهم العلمية، خصوصاً الفقهية، قليلة، فينضمون إلى مسلسل الخراب ظناً منهم أنه النجاح. النجاح كما يقول المثل، له سبعة آباء، أما الفشل فهو لقيط لا أب له، دين هذا المفهوم الخاطئ يجتذب «داعش» كل يوم أعضاء جدداً. ظن بعض الشباب أن «داعش» قد نجح فى مسيرة إقامة دولة الإسلام، وذلك لسيطرته على قطعة جغرافية كبيرة من الأرض فى العراق وسوريا.
هذا الاستحواذ على تلك الجغرافيا يغرى الشباب بالانضمام إلى «داعش» دون أن يفكروا، ولا يهمهم أى شىء آخر، كما انضم كثير من الشباب إلى «القاعدة» أيام أفغانستان. اخترت من الرسائل العديدة التى وصلتنى استنكاراً لجريمة «داعش» رسالة من الأديبة الشاعرة مريم توفيق، تقول الرسالة:
الدكتور / كمال الهلباوى
تحياتى لحضرتك وبعد..
سطرت تلك الكلمة علّها تخفف من آلام كل مصرى وطنى يرفض العنف، ينبذ البغضاء، أدعو لك بالصحة وطول العمر، وأن تظل الملاذ الآمن بنبل أخلاقك ومحبتك للجميع. «من مريم التى صبت الماء فى الميدان فرحاً قائلة: يا محمد مد ذراعيك توضأ، لن نبرح وطناً أنبت فى حنايا الروح جمالاً وعذوبة، بعدما ذبح المرؤون الحب فينا، ردد معى آمين للدعاء بجنة مصر ووحدة الأمة، يستحيل أن تفرق الشهادة بيننا، سنصمد للعاصفات هنا عرش الكرامة.
يا محمد.. من وأد الأمانى؟ من فجّر ألف بركان وبركان وبين أزقة الخوف عرفنا تباعد الأحرف؟ من أحرق قصائدى وطوى دفاترى، من أضاع الأحلام، من الجانى؟ للحرية أثمان لكن يا ويلنا إن أطلت من جحورها الأفاعى تحيل الأعراس إلى حداد هنا، وتأبين هناك، نشق الأضرحة، ننسج الأكفان، نضفر أكاليل الزهر الحزين، من أوصد فى القلوب كل باب؟ إنها قوافل الجهل تخرس الحق، تستل السيوف لنحر الرقاب، البحر يصرخ من سيل الدماء، من حطم الآثار وصادر الأفراح؟ معزوفة النشاز تكفير وتكفير، يشهرون الخنجر المسموم فى الفؤاد، بائعو الضمير يهللون فرحاً وانتشاءً أمام رفات خير الأجناد وبقايا رماد «معاذ».
ها هى الوحوش الملثمة تغرد: كل إثم فعلناه جهاد، فرت العصافير من كل الأجواء تجهش فى بكاء مر تتساءل من أجل ماذا نحترق؟ يا محمد: تعال ولا تشكُ التعب والغبار لنعيد ترتيب الأشياء، نروى النباتات الطيبة ودعك من المصابين بداء الكبر والمال، هم فى الأصل ورق باهت بلا عنوان، دعك من مصدرى الوهم الراقصين على كل الحبال، عند الجد يختبئون، متنكرين فى مباراة مع الشيطان الرجيم. يا محمد لن ننحنى لن نتشح بسواد الأيام لننزع عن هؤلاء ثوب العار بالدرع والقصيد، يا مصر على أرضك نمت عبر القرون أديان كل الأنبياء». انتهت الرسالة.
رسالة الأديبة الشاعرة مريم توفيق تذكر مصر والعالم بالوقوف والاصطفاف فى ميدان التحرير فى ثورة يناير المجيدة. تلك الصورة الحضارية التى -ربما- نسيها بعض من صنعوها.
صورة المسلم إلى جوار المسيحى، والرجل إلى جانب المرأة دون تحرش واحد، والشبل إلى جوار الشيخ، والمُقعد إلى جوار السليم. كل ذلك للتعبير عن الغضب ضد الظلم والفساد. فلنقف جميعاً ضد هذا الفساد والظلم الذى تبنته «داعش» فشوهوا به صورة الإسلام، وخدموا به مخططات الاستعمار نحو التدمير والتقسيم. سننجح إن شاء الله تعالى وسيُهزمون. والله الموفق.