الأخبار
محمد السيد عيد
وقعت الكارثة، وزادت وطأتها بسبب عدم الاستعداد
ماحدث في الإسكندرية في الأيام الماضية مثال نموذجي لكل الأزمات التي تحدث في مصر. ولعل تحليل ماحدث يساعدنا علي فهم طريقة تفكيرنا التي تحتاج إلي تغيير.
لم يكن ماحدث مفاجئاً، فقد تنبأت به الأرصاد الجوية قبلها بأيام.
لم يستعد المسئولون في الإسكندرية لمواجهة الأزمة القادمة. كان من المفروض مثلاً أن يكلف المحافظ مسئولي الكهرباء بالاستعداد لمواجهة انقطاع الكهرباء، أو حدوث تلامس بين الكهرباء وماء المطر، وأن يكلف الصرف الصحي بضرورة تنظيف البالوعات لتكون جاهزة لاستقبال المطر، وتوفير عربات شفط المياه، والاتصال بالمحافظات المجاورة للتنسيق معها في حالة الاحتياج للمساعدة، والتفكير في حول بديلة لو رفضت المحافظات المجاورة التعاون. كان من المفروض أن تكلف مديرية الأمن بتجهيز طرق بديلة في حالة سد المياه للطرق الرئيسية، ورفع درجة استعداد الدفاع المدني لمواجهة احتمال سقوط المنازل القديمة تحت وطأة المطر، كان من المفروض أن تكلف مديرية التضامن الاجتماعي بتدبير إقامات بديلة لمن يتسبب المطر في سقوط منازلهم أو تشريدهم، وتجهيز أغطية ثقيلة لمن سيضطرون للنوم في الخيام والمعسكرات. وتدبير المبالغ التي قد تصرف كإعانات عاجلة، وكان من المفروض أن تكلف مديرية الصحة بالاستعداد لاستقبال مصابي الحوادث المتوقعة، وحالات الوفاة. باختصار : كان المفروض أن تقف إسكندرية علي أطراف أصابعها حتي تنتهي موجة المطر وتقلب الجو. لكن هذا لم يحدث. ولم نسمع أن هناك إدارة للأزمات في الإسكندرية وضعت سيناريو لما يجب أن تقوم به الأجهزة في مثل هذه الحالة. ولو كان هناك مثل هذا السيناريو وكانت كل جهة تعرف دورها المنوط بها فيه لما وصلنا لهذه النتيجة المؤسفة. وأذكر أن قناة اون تي في اتصلت بمدير الأمن وسألته عما إذا كان المحافظ عقد اجتماعاً للمسئولين بالمحافظة لتوزيع التكليفات عليهم، فلم يستطع الرجل الرد، وفي النهاية قال إن المحافظ يرتب الأمور مع الصرف الصحي، وكأن الصرف الصحي هو البعد الوحيد للأزمة.
وقعت الكارثة، وزادت وطأتها بسبب عدم الاستعداد.
بعد وقوع الكارثة انتقل رئيس الوزراء إلي الإسكندرية ومعه وزيرة التضامن الاجتماعي لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة الأزمة. كما طلب السيد رئيس الجمهورية عقد اجتماع صباح الاثنين بهذا الخصوص. أي أن التحرك تم بعد الكارثة وليس قبلها.
أتوقع أن يتم السيناريو في الأيام القادمة علي الوجه التالي :
ستكتب الصحف وتتحدث محطات التلفزيون عدة أيام عن أبعاد المشكلة وأسبابها، وتخلط الواقع بالخيال، وتحمل المسيري والحكومة كل أوزار الدنيا لامتصاص غضب الناس
ستكون هناك بعض التصريحات من أعلي المستويات عن قرارات عاجلة لمنع تكرار ماحدث
بعد فترة وجيزة يقع حدث آخر يهتم به الناس وينسون ماحدث في الإسكندرية
بعد فترة سيتكرر ماحدث لأننا لانتعلم من أخطائنا.
قد يري البعض أني متشائم، لكني أؤكد أن ماأقوله ليس له علاقة بالتشاؤم ولا بالتفاؤل، بل هو تحليل لما فات وتوقع لما هو آتٍ في ضوء متابعتي لما يحدث في مصر خلال الاعوام الطويلة الماضية. تذكروا معي حريق قطار البدرشين، وحريق مسرح بني سويف، هل حدث عكس ماقلت في الحالتين ؟ وبعد مرور السنين لاتزال السكك الحديدية تئن من وطأة الحوادث، ومواقع هيئة قصور الثقافة لاتزال معرضة لمزيد من الحرائق.
ياسادة.. المسألة لاتنحصر في تقصير المسيري، بل في طريقة التفكير السائدة في مصر. ياسادة لابد أن نغير طريقة تفكيرنا التي تعتمد علي أن نتصرف بعد وقوع الكارثة لاقبلها. لابد أن تكون تصرفاتنا أفعالاً لا ردود أفعال. وعلينا ألا نعلق تقصيرنا علي شماعة قصور الإمكانات، لنفعل أولاً أقصي مافي إمكاننا رغم إمكاناتنا القاصرة، فهذا كفيل بتقليل حجم الخسائر، أما أن نقف متفرجين ولانفعل أي شيء بحجة قصور الإمكانات فهذه جريمة في حق الوطن لن يغفرها الله لنا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف