المساء
محمد جبريل
المحليات والخروج من الفساد
عنوان الكتاب مثير. وهو أنسب للقراءة في الظروف التي نعيشها. حيث نضع معظم أمراضنا الاجتماعية - بالحق. أو بالادعاء - علي مشجب المحليات. نعيد إليها كل ما يعانيه المجتمع من مشكلات تتوزع بين الإهمال والابتزاز وفرض الإتاوات والرشاوي وغيرها من المفردات التي تدخل في إطار الفساد.
يناقش أحمد عبدالعظيم أسباب الفساد في المحليات. يطرحه كظاهرة متفشية في كل محافظات مصر. في المدن الكبري والصغري. في الهواء الذي نتنفسه. لا يوجه اتهاماً إلي أحد بالذات. ولا إدارة محلية بعينها. إنما يبحث عن بواعث التغير المذهل - التعبير للكاتب - الذي طرأ علي الأفراد والأسر خلال السنوات الخمسين الأخيرة. واختيار المحليات لأنها القطاع الحكومي الأهم. والمعني بتقديم الخدمات المباشرة للمواطنين.
الساعات المهدرة في أوقات المحليات هو أول ما يطالعنا: العادة ان يوقع الموظف عند حضوره إلي مكتبه في موعد محدد. وينصرف في موعد محدد. يفاجأ المواطن الذي قدم لإنجاز عمل ما. أن الموظف الحاضر في الدفاتر. غير موجود في الواقع. تحايل لترك المكتب بمهام خارجية مخترعة. واتجه لأعمال تخصه. كل شيء بالقانون. ظاهرة متماهية مع تزويغ التلاميذ. لكن ثمن تزويغ الموظفين يدفعه المواطن الذي ربما قدم من قرية بعيدة لإنجاز مصالحه.
ولأن الكثيرين يلتحقون بالعمل بكارت توصية لمجرد تقاضي راتب شهري. فإن افتقاد حب الوظيفة التي لا يجيدها. أو لا يحبها. أو يعتبرها مجرد سبوبة. يأتي بالكوارث. إما بالتزويغ. أو تحويلها إلي مورد رزق بابتزاز المواطنين. وتتنامي الظاهرة لتصل إلي أعلي الوظائف كما حدث مؤخراً من القبض علي وزير الزراعة فور خروجه من مجلس الوزراء!
مشكلة أخطر تعانيها المحليات. وتعانيها - في تقديري - كل مجالات العمل. وهي من لا يعملون. ويشقيهم أن يعمل الآخرون. استعير التعبير من طه حسين لأدلل علي الحقد والتآمر والتصرفات السلبية التي يحاول فاقدو الذمة ان يدفعوا إليها الآخرين. أشير إلي سناء في قصة يوسف إدريس "العيب". رفض زملاء الوظيفة ان تحتفظ بنقاء ضميرها وشرفها. ألحوا عليها بضغوط. ثم استغلوا قسوة ظروفها المادية لاجتذابها إلي ممارساتهم الفاسدة!
والمنهج. أو الاستراتيجية التي تتولد منها مراحل تكتيكية. هي ما يضمن الحد الأدني لنجاح أي عمل. قوام ذلك هو التجانس والتفاهم والتناغم بين العاملين. بداية من القيادة حتي الوظائف الأصغر. كل يعرف موضعه. وصلته الوظيفية ببقية الإدارات. والدور الذي ينبغي ان تؤديه كل إدارة في ضوء الاستراتيجية التي تعد الصورة المستقبلية للعمل.
ثمة مشكلات أخري - تضيق بها المساحة - قوامها شللية المصالح والفساد الممنهج والمماطلة والتسويف وتعطيل المصالح والإعداد الخاطئ للكوادر وفردية القرار والمقاعد اللاصقة وغياب البديل. وغيرها من الظواهر التي تجعل من التصدي لفساد المحليات ضرورة ملحة. بالتغيير. وليس بالترقيع أو المسكنات. أو الصيحات التي تعقب كل مصيبة!
استأذنك في أن أعود لتناول هذه القضية الخطيرة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف