* للمفكر الناصري الأستاذ عبدالغفار شكر. احترام كبير في نفسي. رغم أنني لم أتشرف بلقائه أبداً.. وهذا تقصير مني بلا شك.. لكنني أستعيض عن ذلك بمتابعة الكثير مما يكتب.. سواء اتفقت معه. أو اختلفت.. لكنه ــ وبكل صراحة ــ استفزني بما كتبه في "الأهرام" يوم السبت الماضي.. حيث عرض لكتابه "منظمة الشباب الاشتراكي: تجربة مصرية في إعداد القيادات" داعياً إلي الاستفادة من هذه التجربة اليوم في إعداد الشباب وتأهيلهم لممارسة القيادة.
ومن مضمون مقال الأستاذ شكر. نعرف أن الطبعة الأولي من الكتاب صدرت في بيروت عام 2004. وأن مؤسسة الأهرام أصدرت طبعة جديدة منه في شهر أكتوبر الماضي.. وقد يكون الكتاب إضافة جيدة بالفعل.. يشرح ويوضح كيف كان يجري التفكير السياسي "الأحادي" لتشكيل القيادات في ظل التجربة الناصرية.. وسوف أسعي بالتأكيد لقراءته والاستفادة منه.. لكن الغريب في الأمر أن الأستاذ شكر يقدم لنا التجربة من خلال مقاله باعتبارها نموذجاً يحتذي.. وهو يعلم علم اليقين أن عجلة التاريخ لا تعود إلي الوراء.
هو يقول: "يأتي الدافع الأساسي وراء دراسة تجربة منظمة الشباب الاشتراكي في إعداد القيادات فيما حققته من نجاح في تزويد المجتمع المصري بجيل جديد من القيادات خلال حقبتي الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين".. ثم يقول: "من هنا فإنه يمكن الاستفادة من هذه التجربة في إعداد القيادات وما قامت به من مزاوجة بين التكوين الفكري والتدريب القيادي والإدماج في حركة المجتمع من خلال النشاط السياسي والجماهيري".. وفي موضع آخر يقول: "ولما كانت مصر الآن تمر بمرحلة تحول ديمقراطي. لا يمكن أن تكتمل وتحقق أهدافها بدون إعداد جيل جديد من القيادات الشابة علي أوسع نطاق ممكن.. وأن تتاح لهم أثناء إعدادهم القيادي حرية الاختيار للتوجه السياسي. الذي يفضله كل منهم.. ولكي تصل رسالتي إلي قيادات المجتمع الحالية. فقد حرصت علي تقديم هذه الدراسة مع تقديم أكبر قدر من المعلومات عن التجربة".
ومع كل التقدير لوجهة نظر الأستاذ شكر. الذي كان قيادياً بارزاً في منظمة الشباب. فإن الأحداث والتطورات التي شهدتها مصر في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات. وإلي سقوط مبارك. أكدت لكل ذي عينين أن معظم رجال منظمة الشباب لعبوا أدواراً سلبية للغاية في المواقع القيادية التي شغلوها.. وغيروا جلودهم أكثر من مرة. ليتكيفوا مع السلطة.. وكانوا أكثر حرصاً علي الكرسي منهم علي الدور والرسالة.. ومنهم من كان عوناً للديكتاتورية والسلطوية.. ومنهم من استخدم قدراته القيادية في الفساد والإفساد.. يستوي في ذلك من كان في موقع تشريعي ومن كان في موقع تنفيذي.
وبالتأكيد فإن التجربة لو أعيد تطبيقها فسوف تعطينا نفس النتائج.. لكي نظل ندور في حلقة مفرغة.. وبصرف النظر عن الأسماء فإنه لولا الدور السلبي الذي لعبه معظم رجال منظمة الشباب في عصري السادات ومبارك. لما وصلنا إلي ما وصلنا إليه اليوم.. ربما كانت لديهم قدرات قيادية.. لكن الأهم في أي شيء استخدموا هذه القدرات؟!!
أنا أختلف تماماً مع الأستاذ شكر في قوله إن هذا الجيل ساهم في بعث الحيوية في المنظمات الجماهيرية. وتجديد الحياة السياسية. وتصدي لسياسات الردة علي ثورة 23 يوليو. والصلح المنفرد مع إسرائيل.. وناضل من أجل التطور الديمقراطي. وكان أساس حركة جماهيرية مستقلة وتعددية سياسية واعدة.. ويرجع الفضل لهذا الجيل في إنشاء العديد من منظمات حقوق الإنسان. والدفاع عن القطاع العام وإحياء التعددية. وإشاعة الحيوية في الحياة السياسية.
ويؤسفني أن أقول علي العكس من ذلك. فإن معظم رجال منظمة الشباب كانوا عبئاً ثقيلاً علي هذه الأحلام الجميلة. التي طرحها الأستاذ شكر. ولم يكونوا عوناً علي تحقيقها.. فقد تحول كثير منهم إلي ترزية قوانين. ودافعوا عن بيع القطاع العام. والصلح مع إسرائيل.. ووقفوا سداً منيعاً في وجه التعددية السياسية "الحقيقية" وشاركوا في بناء ديكورات حزبية مدجنة. لتزييف الديمقراطية والممارسة السياسية.. ومن حافظ منهم علي مبادئه قليل جداً.. وكان عليه أن يقنع بالابتعاد عن السلطة!!