الجمهورية
صلاح الحفناوى
أزمة الدولار وانفلات الأسعار
العملة الصعبة اصبحت شديدة الصعوبة.. الاحتياطي النقدي تجاوز كل الخطوط الحمراء ووصل الي مرحلة الخطر.. ومع ذلك تستمر الفوضي ويتواصل تخبط السياسات الاقتصادية.
عندما تولي الدكتور كمال الجنزوري رئاسة الحكومة في اعقاب استقالة حكومة الفريق احمد شفيق عقب احداث يناير 2011.. اطلق صيحته المنذرة المحذرة الشهيرة من انخفاض الاحتياطي النقدي الي اقل من 36 مليار دولار.. وهو الرقم الذي احتل عناوين الصحف وتصدر نشرات الاخبار علي كل القنوات.. فالموقف صعب والرقم مخيف والمستقبل غامض والتصرف بسرعة فائقة مطلب ملح.. كل هذا لان الاحتياطي وصل الي اقل من 36 مليار دولار.. فماذا يعني وصول هذا الرقم الي اقل من الثلث؟.. الاجابة لا تستحق الاستعانة بخبراء كل شئ علي فضائيات العبث الاعلامي.
العملة الصعبة تتآكل.. وهو ما ينذر بمخاطر هائلة قد تصل لا قدر الله الي حد العجز عن توفير متطلبات استيراد الطعام والطاقة.. وبرغم ذلك مازلنا نستورد كل شئ.. حتي الفول المدمس والجلاليب والاحذية البلاستكية غير الصحية.. ما زلنا نستورد التفاح من امريكا واليونان ولبنان وايران.. ونستورد الموز والكيوي.. باختصار لازلنا نمارس التهريج الاستيرادي وكأن الكارثة لا تعنينا.
ولأن الارقام لا تكذب ولا تتجمل فإن القراءة السريعة لمعدلات العجز في الميزان التجاري تؤكد اننا وصلنا الي مرحلة الخطر الفعلي وان سياسات الطبطبة والترقيع لن تجدي وان الحل الوحيد المسموح به الان هو الحل الجراحي الذي يؤلم ولكن يستأصل المرض.
في العام 2002 كان العجز في الميزان التجاري اي الفارق بين عائدات التصدير وتكلفة الاستيراد.. هو 7 مليارات و818 مليون دولار.. وارتفع العجز الي 25 مليارا و 686 مليون دولار في العام 2011.. ليصل الي رقم قياسي في العام 2014 يزيد علي 46 مليارا و274 مليون دولار.. وفق الاحصاءات الرسمية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء.
المشكلة ان الخبراء الاقتصاديين اختلفوا في رؤية الحل فأضاعوا منا بوصلة الطريق.. بعض الخبراء طالب بحماية الجنيه وفرض كل القيود المسموح بها لوقف هبوطه حتي ولو اقتضي الامر الغاء التداول خارج البنوك تماما.. بحجة ان استمرار انخفاض الجنيه سوف يؤدي حتما الي ارتفاع شديد في الأسعار بسبب الاعتماد الكامل علي الاستيراد بالإضافة الي الارتفاع في تكلفة مستلزمات الانتاج.
فريق اخر أكد أن أي اجراءات حمائية للحفاظ علي قيمة الجنيه سوف تؤدي الي احجام المستثمرين عن ضخ اي استثمارات جديدة في البلاد.. وسوف يؤدي الي استمرار ظاهرة الاستيراد غير المضبط لان حماية الجنيه تقدم ميزة تنافسية لصالح السلع المستوردة.
فريق ثالث اقترح اطلاق حرية تداول الدولار بلا قيود مع اللجوء الي اجراءات اقتصادية تساعد علي خفض معدلات التضخم وتمنح ميزة تنافسية للجنيه لمواجهة ظاهرة الدولرة.. ومنها علي سبيل المثال رفع معدلات الفائدة علي الودائع فورا وبنسبة لا تقل عن 2 بالمائة.. مؤكدا ان هذا من شأنه انعاش السياحة وتشجيع التصنيع الوطني وزيادة فرص التصدير مشيرين الي التجربة الصينية.
الحقيقة المؤكدة هي ان اختلاف علماء الاقتصاد ليس رحمة.. وان كل الاجراءات الاقتصادية لمواجهة انهيار الجنيه وتوحش الدولار سوف تلقي بظلالها في النهاية علي حياة الانسان البسيط الفقير الذي لا يعرف شكل الدولار اصلا.. ومن حق من سيدفع الثمن ان يجد من يحنو عليه ويشرح له بشفافية السياسات الاقتصادية التي تعتزم الدولة اللجوء اليها لمواجهة الازمة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف