المستشار محمد محمد خليل
الهــــــروب من العـــــــروبة
لمصلحة من المناداة بالفرعونية أو الدعوة إلي انفصال مصر عن باقي الأمة العربية بزعم أن حضارة مصر القديمة أسبق من حضارة العرب والمسلمين.. لمصلحة من القفز من السفينة العربية إلي بحار الشعوبية. والإنقسامية. والعزلة. ومسح التاريخ كله. ناسين أو متناسين أن العرب ساهموا في بناء مصر الإسلامية العربية. ومصر ساهمت في الدفاع عن الإسلام والعرب علي مدي أكثر من ألف وأربعمائة عام.. لغتنا العربية. وثقافتنا الإسلامية وأعرافنا وتقاليدنا المتوارثة صنعت الهوية المصرية مع كثير مما يخص المصريين متوارثاً من العصور القديمة حتي العصر القبطي.. اختلطت كل هذه العوامل. وذابت في بعضها لتخلق الهوية المصرية العربية الإسلامية.
لا ينعزل المصري عما يحدث في العراق أو المغربي أو الخليجي أو اليمني.. يشعر بالشوكة في جسد أخيه في أي مكان من الوطن العربي كأنها في جسده ودائماً كان ذلك الإحساس.
حين جاء إلي الشرق العربي السلطان سليم الأول غازياً للشرق دخل الشام فتصدي له السلطان قنصوه الغوري مدافعاً عن جزء من بلده. معتقداً أن الشام ومصر توأمان وحدهما السلطان ومن قبله من الحكام وكون مملكة تصدت للغزاة الأوروبيين عند باب المندب كما تصدت للعثمانيين في الشام.
حين أصابت سوريا نكبة علي يدي الفرنسيين في مطلع القرن العشرين أنشد شوقي أمير الشعراء قصيدته الرائعة قال فيها: سلام من صبا بردي أرق. ودمع لا يكفكف يا دمشق.. ويوم مات عدنان المدني الطيار السوري باعتداء أردني رثاه الشاعر المصري صالح جودت في قصيدة جميلة بدأها بقوله: طائر الشام ويا نسر الكنانة. طر إلي الرحمن واستقبل جنانه.
في معركة بورسعيد سنة 1956 أثناء العدوان الثلاثي علي مصر من انجلترا وفرنسا وإسرائيل اشترك الضابط جول جمال السوري الأصل في الدفاع عن وطنه الثاني مصر وكان ذلك قبل الوحدة مع سوريا.
هكذا يشعر المواطن العربي أننا أمة واحدة مصيرها واحد وتاريخها واحد ومستقبلها لا يمكن أن يضيئ دون وحدته وتكتله.
ماذا نقول في أكثر من أربعة ملايين مصري يعملون في دول الخليج والسعودية يساهمون في نهضة مصر والأوطان التي يعملون بها. أو ماذا نقول في التبرعات والمساعدات التي انهالت علي مصر أخيراً تدعم الدولة وتحاول مساعدتها في تخطيط مستقبلها والنهوض باقتصادها.. أي دولة غير عربية قامت أو ستقوم بمثل ما قام به الأشقاء العرب.
أيليق ببعض مفكرينا بعد ذلك بالمناداة بالفرعونية أو الأمة المصرية منفصلة عن الأمة العربية والتخلي عن العروبة بزعم أن مصر أقدم من العرب جميعاً.
الدفاع عن الحضارة المصرية القديمة. لا يستلزم إطلاقاً الخروج من حديقة العروبة والتخلي عن هويتنا العربية. فاللغة التي بها نكتب ونفكر وننتج أدباً عربياً وفكراً عربياً تقرأه الأمة العربية كلها وتفخر به في مواجهة العالم زرعه الإسلام في أعماقنا وغذته الثقافة الإسلامية.
كان السياسي البارع الذي عشقته مصر كلها مسلمين ومسيحيين مكرم عبيد يقول: أنا قبطي الديانة مسلم الثقافة. ذلك أنه وعي صحيحاً وسليماً وصادقاً إن العروبة وحدت المصريين مع إخوانهم في البلاد العربية دون النظر للديانة.
اتجاهات قديمة قادها الغرب وقسم المنطقة لصالح إسرائيل لتتمكن من السيطرة والبقاء في أرض مغتصبة بوعد ممن لا يملك. وها نحن علي أبواب تقسيم آخر وتفتيت أشد وتمزق مرعب. من أجهزة دول عالمية هدفها إحكام السيطرة علي المنطقة وينجرف بعض المثقفين ــ عن غفلة أو عن إدراك ــ وراء الدعوة إلي انعزال مصر عن باقي الوطن العربي متعللين بالمشاكل التي تعانيها البلاد أحيانا أو بسبق حضارة المصريين علي حضارة العروبة والإسلام أحياناً أخري. ولم يقتصر نداؤهم علي ما يخص مصر وحدها بل تحدثوا عن أن كل بلد من البلدان العربية تختلف عن الأخري لا شأن لها بها مما يمهد لتمزيق الوطن بدلاً من توحده وكأن المنطقة ينقصها نداء الفرقة والعزلة.