التحرير
حمدى عبد الرحيم
دين «داعش»
قالوا إن الحسن البصرى كان يجلس فى المسجد الجامع ويحاضر طلابه فى أمر من أمور العلم المهمة، فجاء رجل وقطع على الحسن البصرى محاضرته وراح يصيح بصوت مرتفع: «يا إمام الدين. الغوث، الغوث!».

فنظر إليه البصرى وسأله: ما بك؟ .

فرد الرجل: يا إمام الدين، ما قول الدين فى دم البراغيث؟ هل تنقض الوضوء؟ .

تملك الغيظ من البصرى ولكنه تأمل قبل أن يسأل الرجل: من أى البلاد أنت؟ .

رد الرجل: من العراق .

فهز البصرى رأسه حزينا قبل أن يقول: عجبا لكم، استبحتم دم الحسين بن علِىّ وجئت أنت تستفتينى فى دم البراغيث!! .

رغم مضىّ أكثر من ألف سنة على هذه الواقعة فإن السؤال بطرق متعددة لا يزال مطروحا، سؤال الدين فى كل كبيرة وصغيرة، الانشغال بالدين عن مهام الحياة اليومية، معظمنا غرق فى مستنقع السؤال عن دين داعش، هل هم من المسلمين أم هم من الكفار؟ فإن كانوا مسلمين فإلى أى مرجعية يرجعون؟ وإن كانوا مسلمين فإلى متى يصبر عليهم الأزهر وكيف لا يكفرهم ويخرجهم من الملة جراء ما يرتكبون من مذابح وكبائر؟ وإن كانوا كفارا فكيف نقنعهم بأن يبتعدوا عن ديننا ولا يلوثوه بأفعالهم؟

أسئلة حول الدين تلد أسئلة وتتفرع عنها أسئلة، كل هذا بينما الذبح يتواصل.

داعش ليس شابا يتقدم للزواج بابنتك يجب أن تعرف هل سيعقد القران فى المسجد أم سيقيم نص إكليل فى الكنيسة، داعش تنظيم ظهر فجأة وفى غضون أسابيع من ظهوره كان يكتسح أراضى العراق وسوريا اكتساحا، ثم ها هو يتمركز فى ليبيا.

هذا التنظيم يبدو محترفا حتى فى تلك الأفلام التى يبثونها لعملياتهم، حتى أجساد مقاتليه تلفت الأنظار بطولها الفارع وتناسقها الرياضى.

تنظيم كهذا يبدو التعاطى معه وفق سؤال رجل الحسن البصرى مضيعة للوقت وترحيبا بسفك المزيد من الدماء، هذا تنظيم لن تتم هزيمته إلا بالمعلومات، المعلومات الحقيقية التى لا تقع فى فخاخ التهوين أو التهويل.

لو توافرت المعلومات ستبدأ كلمة النهاية لأحد أشد التنظيمات شراسة، سينكشف من الذى يمول ومن الذى يسلح ومن الذى يغطى إعلاميا ويبرر دينيا ويلقى بقنابل الدخان السياسية لكى تنحرف الأنظار عن الأهداف الحقيقية والأسئلة المهمة.

قوس المؤامرة أصبح مفتوحا وأصبح من حقنا أن نرتاب فى أصابع أيدينا، ولن ينجينا من شرور الريبة سوى المعلومات الكاشفة لكى نرتب بيتنا من الداخل ونختار أولوياتنا.

هناك كلام كثير جدا عن مخاوف مصرية من قيام الحوثيين باليمن بالسيطرة على باب المندب، وفى هذا تهديد لمكانة قناة السويس، وهناك معارك حقيقية يخوضها جيشنا بشكل شبه يومى ضد تنظيمات من الأشباح فى سيناء، وهناك داعش التى تتباهى بذبح المصريين فى ليبيا، قوس المؤامرة يتمدد ويتسع ليشمل مصر من أقصى شرقها فى سيناء حتى أقصى حدودها الغربية مع ليبيا.

الأمر أشد تعقيدا وخطورة من أن نضيع وقتنا وكتاباتنا، بل وعقولنا وقلوبنا، فى التساؤل حول دين داعش أو غيره من التنظيمات. لم نعد نتملك ترف التساؤلات المجانية، كل ما نريده هو معلومة واحدة صادقة يتبعها صاروخ لتدمير وكر من أوكارهم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف