أحمد السرساوى
هل نصب الإنجليز فخاً لنا في لندن ؟!
السفير البريطاني بالقاهرة جون كاسون شاب خفيف الظل، يجيد العامية المصرية بلهجة اسكندرانية .. يستثمر ظُرفه في الاقتراب من رجل وسيدة الشارع المصري، ويتباسط مع البسطاء منهم .. تراه يجوب شوارع العاصمة ليلا مرتديا الجينز فيشرب عصير البرتقال ويأكل الكشري ويقف في طابور الأيس كريم عند حلواني مشهور بشارع طلعت حرب.. فإذا كان يوم إجازة فلا بأس من شرائه الخضراوات والبرتقال من بائعة علي الرصيف لكي "يدردش" معها بخفة دمه المعهودة عن "أحوالها" في بر مصر!!
اسلوب ذكرني بسابقيه من سفراء أمريكا من أمثال دانيال كيرتز (1998/2001) الذي أُشتهر بتكرار جولاته في قري الصعيد، الأمر الذي أثار الشكوك و دعا الخارجية المصرية وقتها لتنبيهه، وكذلك ريتشار دوني (2005/2008) الذي كان حريصا كل عام علي زيارة مولد السيد البدوي في طنطا، وكذلك مرجريت سكوبي (2008/2011) التي اشتهرت باختراق جُل النخبة المصرية ورجال وسيدات المجتمع المدني وبرلمانيين من جماعة الاخوان المسلمين وفتحت لهم أبواب السفارة، وربما كانت تلك فترة "الحضَانة" التي ربت فيها طابورا خامسا استخدموه فيما بعد أثناء ثورة يناير وما بعدها.
بريطانيا جاءت لنا هذه المرة بسفير "رِوِشْ" شاب صغير السن يستطيع التفاعل بسهولة مع 60% من سكان مصر يمثلون الشباب، فهو يجيد السخرية و"القلش" بالعامية المصرية .. ففي مايو الماضي وأثناء أزمة وزير العدل الأسبق محفوظ صابر حول امكانية عمل ابن "الزبال" في السلك القضائي.. كتب السفير علي حسابه بموقع تويتر بالانترنت "عايز تشتغل في السفارة البريطانية؟ نرحب بالجميع ونرحب بابن عامل النظافة".
كما علّق بنفس الطريقة علي الحكم الصادر في أغسطس الماضي بسجن صحفيي الجزيرة الذين لفقوا فيديوهات كاذبة عن الأوضاع في مصر.. إسلوب غريب لسفير انفرد به كاسون عن باقي السفراء المعتمدين بالقاهرة!!
وعندما زار الاسكندرية عقب توليه مهمته في العام الماضي .. حرص علي زيارة كنيسة القديسين التي تعرضت لحادث تفجير ارهابي قبل ثورة يناير وتحدث مع عدد ممن أصيبوا فيها و ركب الترام بالجينز والتقط صورا فيه وكتب علي تويتر "بنص جنيه ومافيش زحمة".. ثم اتجه للمنيا وقابل عددا كبيرا من شباب الجامعات!!
اسلوب كاسون في العمل مُريب يليق بـ "رجل مخابرات" أكثر منه بدبلوماسي فهو حريص علي النزول بنفسه الي الميدان والتقاط الأخبار من قاع المجتمع .. لكن الأكثر ريبة ما حدث الخميس الماضي أثناء زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للندن .. وكان من الواضح جدا انزعاج رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون من سؤال الإعلام عن سبب ايقاف الرحلات السياحية إلي شرم الشيخ، و تأكيد الرئيس بأن البريطانيين طلبوا منذ عشرة شهور التأكيد علي إجراءات الأمان بمطار شرم الشيخ وذلك قبل انعقاد المؤتمر الاقتصادي في مارس، وعلي هذا الأساس حضر المستثمرون و رجال الأعمال و السائحون بعدأن اطمأنوا.
لكن الموقف تغير فجأة للعكس أثناء زيارة الرئيس، وأشاعوا وجود تكهنات بأن الطائرة الروسية التي سقطت في سيناء ربما كان داخلها عبوة ناسفة، وهو نفس الكلام الذي تم ترديده علي لسان أوباما في واشنطن بنفس التوقيت!!
وبرر البريطانيون فِعلتهم بأن لديهم معلومات استخباراتية عن الحادث وعلي ذلك اتخذوا إجراءات إجلاء السائحين من مصر "لأن واجبهم المحافظة علي مواطنيهم" ونحن نؤيدهم في ذلك، لكن طالما كان هذا واجبهم من البداية .. فلماذا لم يتخذوا إجراء مماثلا عندما حدث تفجير ارهابي بفندق "سوسة" في الشقيقة تونس "عافاها الله من كل سوء" خلال يونيه الماضي، رغم أنه كان يستهدف سياحا بريطانيين!!
■ ■ ■
يقول المتنبي:
وإذا خلا الجبان بأرض .. طلب الطعن وحده والنزالا!