كانوا يعرفون معادن الرجال ،ويدركون مكامن الخطر، ويعلمون مواضع الفتن . ولهذا قال السلف رضوان الله عليهم : احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل ، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون ، فالعالم الفاجر يُشبه (المغضوب عليهم )الذين يعلمون الحق ويعملون بخلافه ، والعابد الجاهل يُشبه الضالين الذين يعملون بغير علم
.وكانوا يقولون : احذروا من الناس صنفين : صاحب هوي فَتنه هواه ، وصاحب دنيا أعجبته دُنياه .
ولما ألح أهل العراق علي الحسين بن علي رضي الله عنهما علي أن يأتي إليهم ليبايعوه أميرا للمؤمنين ويُحاربوا معه الدولة الأموية ، سأل الحسين عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن رأيه فقال قولته المشهورة ( إن قلوبهم معك وسيوفهم عليك ) وهو ما كان، فقد خذلوه، وأسلموه إلي القتل بعد أن شايعوه وأيدوه بالقول فقط . وهكذا قد يُخالف فعل الإنسان في أحيان كثيرة مُعتقده ، فقد يزني وهو يعتقد بحرمة الزني ،ويسرق ويشرب الخمر ويقتل وهو يعتقد بحرمة كل ذلك .
نفذوا قول الله عز وجل ( سمعنا وأطعنا ) سواء عرفوا الحكمة من الأمر ، أولم يعرفوها، ولم يفعلوا فعل اليهود عندما قالوا( سمعنا وعصينا ) . وكما يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي : ( إذا اشترطت أن تعرف الحِكمة من كل أمر أونهي رباني لكي تؤمن بالحُكم ، فإنك بهذا تكون قد آمنت بالحكمة وليس بصاحب الحكم ) .
ولما سئل عبد الله بن المبارك : إلي متي تطلب العلم ؟ قال : لعل الكلمة التي فيها نجاتي لم أسمعها بعد.
ولما تكلم الإمام أحمد بن حنبل ذات مرة عن الزواج، ذكر زوجه أم صالح ، فقال عنها (أقامت معي عشرين عاما فما اختلفت أنا وهي في كلمة ).
ولم يكونوا يُحبون الظهور علي أقرانهم في المناقشات والمناظرات ، فهذا محمد بن إدريس الشافعي يقول : ( ما ناظرت أحدا قط فأحببت أن يُخطيء ، ووددت لو أن الناس تعلموا كتبي ولم يُنسبوها إلي ) فهو - يرحمه الله- يريد نشر العلم والحق ابتغاء وجه الله عز وجل بدون سمعة أوشهرة ، فليس المهم من يرفع الراية ، المهم أن تُرفع الراية .