إذا درسنا هجرة النبي في وقائعها المتتابعة المتكاملة تبين لنا اتساق الخطوات التي اتبعها عليه السلام مع خطوات العمل بحسب مفهوم علم التنظيم وطرق العمل الحديث وان صورة التعاون في الهجرة تمثل اكمال الصور واعظمها.. ولقد تحقق التعاون بفضل عدة عوامل مجتمعة تفاعلت فنجم عن تفاعلها النجاح اعظم النجاح.
ولقد تعاون في الاعداد للهجرة والمشاركة فيها رجال ونساء وشباب وفتيات مسلمون وغير مسلمين فجاءت الهجرة صورة تطبيقية للايمان ولشرف الكلمة يقولها غير المسلم فيلتزم بها: والذين ساهموا في الهجرة كان فيهم الكهول كالنبي عليه الصلاة والسلام وابي بكر والشباب كعلي ابن ابي طالب وعبدالله ابن ابي بكر والفتيات كأسماء وعائشة ابنتي ابي بكر والرعاة والقاعدة كعامر ابن فهيرة راعي ابي بكر وعبدالله بن اريقط وهو الدليل الذي صاحب الركب من غار ثور إلي المدينة ولم يكن علي دين القوم.
وعلمتنا الهجرة ان "المرأة المسلمة" تستطيع ان تقوم بواجبها في المناسبات الملائمة.. فهذه عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما كانت حين الهجرة فتاة ناشئة ومع ذلك اسهمت بشيء في الهجرة كما اسهمت معها اختها "اسماء" تقول عائشة عن النبي وابيها وجهزنا هما احب الجهاز. صنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت اسماء قطعة من نطاقها فربطت به الجراب. وقطعة اخري صيرتها عصاما لفم القرية فلذلك سميت اسماء ذات النطاقين.
وعلمتنا الهجرة ان "الشباب إذا نشبوا منذ الصغر علي استسهال الخطر كانو اجلاء الاثر وطال عنهم جميل الخبر وهذا هو علي ابن ابي طالب كان يبيت في فراش الرسول وعليه المهام التالية: وجوده في فراش الرسول سيجعل القوم يظنون ان الرسول مازال راقدا فيه فاذا ما اصبح الصباح او جاء الفجر وهاجموا البيت فوجئوا بهذه الخطة فكان عليه بعد هذا ان يقوم بعمل كريم في مكة في الوقت الذي تحارب فيه الرسول والإسلام عليه ان يرد الودائع التي كانت عند الرسول ثم كان عليه بعد هذا ان يلحق بالرسول في المدينة ولم تكن عنده من راحلة فقطع هذه الصحاري المحرقة فما وصل إلي "قباء" علي اطراف المدينة الجنوبية إلا بعد ان تقرحت أقدامه وارهقة الطريق الطويل.
الذي لاشك فيه تاريخيا "ان اول من فكر في اتخاذ نظام ثابت للتاريخ في عهد الاسلام هو سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وكان ذلك جزء من التنظيمات العامة للحكومة الاسلامية. ففي السنة الثالثة من خلافته جمع وجوه الصحابة وقال لهم: ان الاموال قد كثرت وما قسمنا منها غير محدد بتاريخ ينضبط به. ثم ناقش القوم في الامر وابي امير المؤمنين عمر ان يجعل تاريخ الإسلام علي تاريخ امة الفرس او امة الروم ثم اشار الامام علي بان يجعلوه منذ خرج النبي وهاجر من مكة إلي المدينة فراقت االفكرة لعمر بن الخطاب والمسلمين فاتفقوا علي أن يكون مبدأ التاريخ من سنة الهجرة.
ولما كانت الهجرة حدثت في اواخر شهر صفر او اوائل ربيع الاول وهو الرأي الراجح فإن الصحابة قد استقروا علي الاخذ برأي عثمان رضي الله عنه بان يؤرخوا من المحرم اول السنة وهو شهر حرام. وبذلك رجعوا نحو شهرين وجعلوا التاريخ من اول محرم هذه السنة وكان الزمن بين الهجرة واتخاذها مبدءا للتاريخ سبعة عشر عاما.