لا يساورنى شك، ولو واحد فى المائة، فى تعرضنا لمؤامرة تتكاتف فيها الأيادى الدنيئة المتشعبة تحت أى مسمى، لا فى مصر وحدها ولكن فى المنطقة كلها، بدأ التخطيط لها منذ سنوات بعيدة جداً وليس كما يظن البعض مع تصريح «كونداليزا رايس» الأشهر فى تاريخها كله عن «الفوضى الخلاقة»، فالمؤامرة يا سادة متشعبة وعميقة وبعيدة البداية حتى من قبل تخطيط «برنارد لويس» الصهيونى لتقسيم المنطقة طائفياً فى منتصف السبعينات. ولعل آخر ما وقع تحت يدى لإثبات المؤامرة المخططة لنا كتاب «Confessions of an Economic Hit man» لمؤلفه «جون بيركينز»، المسئول الاقتصادى الأمريكى فى العديد من كبريات مؤسسات النقد العالمية بما فيها البنك الدولى، والذى نُشر فى عام 2004 وتُرجم للعربية عام 2008 تحت أكثر من عنوان، من بينها «اعترافات قاتل اقتصادى» و«الاغتيال الاقتصادى للأمم». وفى الكتاب يؤكد بيركينز أن مهمته، مع العديد ممن هم مثله من قراصنة الاقتصاد المنضوين تحت تخطيط وكالة الأمن القومى الأمريكى، كانت إغراق العالم بالديون والمنتجات الأمريكية وإجبار الدول ورؤساء الحكومات على قبول اتفاقيات قروض مجحفة يعجزون عن سدادها أو توفير أقساط فوائدها، بشكل يتيح للقرصان الأمريكى السيطرة على تلك الدول وفقاً لما يتراءى له عبر خطوات ومراحل تمر بالسيطرة على ثروات تلك البلاد أو تدبير القلاقل والانقلابات والثورات، ولا تستبعد الاغتيال إن تطلّب الأمر.
ليس هذا فحسب ما تحدّث عنه الكتاب، ولكنه استخدم تعبير «الكوربورقراطية»، فى إشارة للعلاقة القوية بين الإدارة الأمريكية والبنوك والشركات الكبرى فى الولايات المتحدة لتقسيم العالم إلى مناطق اقتصادية تخدم كل منها أهداف تلك الشركات، فمنطقة الخليج العربى للبترول، ومنطقة الكاريبى للعمالة الرخيصة.. وهكذا، لفرض رؤية تلك الإمبراطورية العالمية على الإعلام والتعليم والنقابات والأحزاب الصفراء فى العالم -كما يقول بيركينز- والترويج لأفكار ومنظمات لا تهدف إلا لتحقيق السيطرة الأمريكية، مثل برنامج «الغذاء من أجل السلام» الهادف لدعم الشركات الزراعية الأمريكية وبيع منتجاتها، وترويج جورج بوش لبيع السلاح. كل هذا بهدف السيطرة الأيديولوجية على البشر فى كافة أنحاء العالم لتوجيه الأفكار والمشاعر والاتجاهات. وهو ما يصفه بيركينز بالقول: «لقد تمكن أصحاب المصالح الأمريكية من السيطرة على المواطن العادى من خلال غسيل مخه من خلال الإعلام الموجه، كما أن استخدام اللغة أمر فى غاية الأهمية لتطويع استراتيجية النهب وتغليفها فى مفاهيم (الحكم الرشيد) و(تحرير التجارة وحقوق المستهلك) وأن حروب الولايات المتحدة ذات أغراض نبيلة».
قرأت وعرضت بالتحليل لكتاب بيركينز، ولكن للأمانة علينا القول إنه إذا كانت المؤامرة قائمة لديهم هناك، فمسخنا حاضر وبقوة هنا فى بلادنا حتى بتنا أسلحة يستخدمونها لتحقيق أهدافهم. ولعل أزمة الطائرة الروسية الأخيرة تثبت تلك المقولة بوضوح. فأداؤنا فى التعامل مع ما لدينا من مهام فى مرحلة نطلق عليها كلمة «معركة» أقرب للعبث. وردود فعل البعض على الواقعة أقرب للمهزلة، وكلاهما يؤكد وجود المشكلة فى المواطن والمسئول. فمنظومة الأمن فى مصر ليست أجهزة يتم استيرادها أو وضعها فى الممرات وحواجز العبور وحسب، ولكنها بحاجة فى المقام الأول والأخير لتطوير العنصر الأمنى البشرى بشكل مختلف تماماً عن مشهد أمين الشرطة أمام الجهاز والضابط لفحص جوزات السفر. نحتاج إلى رؤية أمنية مختلفة فى أسلوب تأمين كل مداخل مصر ومخارجها براً وجواً وبحراً. وحديثى لا من باب التشكيك فى قدرات الوضع الحالى والقائمين عليه فى التأمين، ولكن من باب الحرص على أن نؤدى تلك المهمة كما يجب أن تكون لحماية المصريين وغيرهم وحماية سمعة مصر، بل ونتخذ من تلك الخطوة بداية لتطوير مفهوم الأمن لدى من يقومون به، وهم لديهم الكفاءة ولكن ينقصهم التطوير شكلاً وجوهراً.
أضف إلى ما سبق أسلوب تعاملنا مع الحادث الذى أثبت أننا بحاجة لفهم المعنى الحقيقى لعلم إدارة الأزمات. نعم، نحن بحاجة لرئيس حكومة يعلم ووزراؤه كيفية إدارة الأزمة إعلامياً واقتصادياً ومجتمعياً وسياسياً عبر بيانات متتالية تعبّر عن حقيقة الوضع والمشاكل التى نجمت عنه والرد على ما يُنشر فى وسائل الإعلام بالخارج سلباً أو إيجاباً، وإلا فما فائدة هذا الكم من مستشارى الإعلام فى كل وزارة وفى مكتب رئيس الوزراء؟ نحن بحاجة لدراسة المعلومات الخاصة بالسائحين فى الموسم السياحى الشتوى لمصر وحجم المتوقع خسارته وتأثير ذلك على العاملين فى هذا القطاع والبدائل المطروحة لمواجهة ذلك. فالجميع يعلم -بما فيهم الغرب المتآمر ذاته- أن السياحة فى مصر لم تتعاف بعد ولكنها وصلت لحد إعادة فتح البيوت المغلقة للعاملين فى قطاعاتها، فكيف سيكون التعامل مع هؤلاء المضارين اليوم فى ظل الوضع الحالى، وفى ظل تخطيط غير خاف لزيادة عدد الفئات المضارة لدينا من أزمات الاقتصاد ليزداد عدد المعارضين تمهيداً لنوّة أخرى من ثورات لم يُخف البنك الدولى الحديث عنها فى آخر تقاريره؟
ودعنى أحدثك فى أزمة الطائرة الروسية عن تفكير بعض من المصريين الذين باتوا تجسيداً لمسخ الفكر والخلق بكل المعانى، من الذين لا يعرفون عن السياسة سوى اسمها، فيعارضون بوقاحة ويهاجمون وطناً يئن من طعنات الداخل والخارج بلا انتماء بدعوى حرية الرأى أو التعبير أو ادعاء الفهم.
نعم يتآمرون علينا ولا شك فى ذلك، ولكننا بتنا سلاحاً ناجعاً فى يدهم للأسف. وعلينا أن ندرك أن لا سبيل لمواجهتهم إلا بتغيير أنفسنا فى كل موقع فقط لتحيا مصر وأولادها.