الوطن
معتز باللة عبد الفتاح
صلاح الأحوال بإصلاح الأنفس
هل ينبغى أن يكون أحدنا رئيساً أو رئيساً للوزراء كى يفعل خيراً أو يمنع شراً؟

اعتقادنا بأن الرئيس أو رئيس الوزراء جاء ليحل لنا مشكلاتنا اعتقاد خاطئ، على الأقل جزئياً، كل منا من حيث المسئولية رئيس حيث هو. الرئاسة رسالة، وكل منا صاحب رسالة، لكن قبل الرسالة، نحن بحاجة إلى روح حامل الرسالة.

إصلاح الكون بكامله ليس مسئولية أى شخص منفرداً، لكننا مسئولون عن إصلاح ما يقع فى دائرة تأثيرنا. يقول أحدنا: «وكأننى أنفخ فى قربة مخرومة»، وماذا لو بحثت عن «قربة» أخرى، ربما أصغر، لكنها غير مخرومة، لا توجد شجرة تضلل الشارع كله، لكنها تضلل ما تستطيعه. ولنعمل ما نستطيعه، مستعينين بالروح الرسالية التى لخصتها الأحاديث الشريفة وتحدثت عنها من قبل تحت رموز: التمرة، والفأس، والسفينة، والفسيلة، والثغر.

فهناك أولاً «روح التمرة» التى أوصانا الرسول أن نتبرّع ولو بشق منها (أى بجزء منها)، وعليه فلا يحقّرن أحدنا من المعروف شيئاً. أقم نفسك حيث أقامك الله، بأن تجعل لنفسك أجندة إصلاح، بالمعنى المادى، اكتب فيها ما تراه خطأً، واقتراحاتك لكيفية الإصلاح، وناقشها مع من تتخير من الزملاء، وارفعها لمن هم أعلى منك فى السلم الوظيفى، أو هى لك حين تعمل أو تترقى إلى موقع المسئولية.

وهناك ثانياً «روح الفأس» التى تشير إلى أن يعتمد كل منا على نفسه قدر استطاعته، وألا يجعل من الواسطة أو المعارف مسوغ نجاحه. وقد أشار الرسول إلى الفأس حين قال للرجل الذى أراد صدقة أن يبيع ما يملك، وأن يشترى فأساً، وأن يذهب ليحتطب حتى يعمل، وألا يكون عالة على الآخرين.

وهناك ثالثاً «روح السفينة» التى تقتضى منا ألا يفكر أحدنا بمنطق أنه يستطيع أن ينجو بمفرده وأن يترك الآخرين يخرقون قاع السفينة خرقاً غير آبهين بالصالح العام. فهى مركب واحد لنا جميعاً، لا نسمح لأحد بأن يختطفها أو يخرقها أو يقفز منها؛ فحين تشرق الشمس ستشرق على الجميع.

وهناك رابعاً «روح الفسيلة» التى نحن مأمورون بزراعتها حتى لو كانت القيامة بعد ساعة، فمسئولية الإصلاح دائمة ومستمرة حتى لو لم نرَ عوائدها فى حياتنا. ولعلها كانت هى الروح المسيطرة على كل من شارك فى ثورة 25 يناير، فكل أعطى من وقته وماله ودمه ما استطاع حتى قامت قيامتنا فقمنا.

وخامساً «روح الثغر» التى تعنى أن كلاً منا على ثغر من ثغور الإصلاح، كل فى موقعه ومجاله، وكلٌّ مطالب بالاجتهاد والتفكُّر كيف يصلح ما هو عليه قبل أن يفكر فى إصلاح ما هو بعيد عن دائرة تأثيره.

هذه أسلحة خمسة نحتاجها فى معارك خمس نحن متخلفون فيها: مجال الأخلاق الشخصية (متى آخر مرة تصرّفت بوحى من الضمير وليس المصلحة؟) ومجال الآداب العامة (متى آخر مرة احترمت فيها أى طابور؟) ومجال التثقيف والوعى (متى آخر مرة حاولت فيها توعية صديق بشأن واجبه الاجتماعى أو الأخلاقى؟) ومجال المشاركة والتطوع (متى آخر مرة تطوعت فيها لعمل جماعى؟) ومجال الحكم الرشيد (متى آخر مرة قرأت فيها كتاباً جاداً عما خفى عليك من شئون الوطن؟).

التحديات كثيرة، وروح الإصلاح أهم ما نحن بحاجة إليه الآن. ولا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف