الأهرام
د/ شوقى علام
ستنتصر مصر على الإرهاب
تلقينا ببالغ الحزن والأسى نبأ مقتل إخوة لنا في الوطن على يد منشقي القاعدة بليبيا الشقيقة، وكالعادة يبالغ هؤلاء المجرمون في إرهاب الأحياء بالتفنن في طرق الحرق أو الذبح وتتعدد الصور والإجرام واحد والوحشية واحدة،
قلوب لم تعرف سماحة الإسلام العظيم، وعقول لم تفقه معاني القرآن الكريم، فراحت تعيث في الأرض فسادًا تقتل وتدمر وتحرق لتشويه صورة الإسلام وإخراج الناس من دين الله أفواجًا. إن الأمة العربية والإسلامية تتعرض في هذه الفترة إلى محنة حقيقية فيما يشبه حرب استنزاف شرسة تستهدف تشتيت طاقات الأمة في اتجاهات عديدة، أهمها الفتنة الطائفية والاحتراب الداخلي بين المسلمين وإخوانهم المسيحيين؛ فمقتل واحد وعشرين مصريا مسيحيا بهذه الطريقة البشعة يبدو أن الغرض منه هو تأجيج نار الفتنة وإشعال الصراعات الطائفية الداخلية والتي تزيد من حالة السيولة الأمنية التي تمر بها البلاد، إنهم يعملون وبجد على إدخال مصر في دوامات من الفوضى والصراع حتى تلحق بغيرها من الدول الواقفة في طابور التقسيم أو التي قسمها الاحتراب الداخلي بالفعل. ونحن واثقون بنصر الله تعالى لمصرنا، وواثقون من هزيمة الله لأعدائنا لأننا على الحق المبين ولم نك يوما ما من المعتدين. ولسنا هنا بحاجة إلى التأكيد على أن الدماء كلها معصومة متكافئة عند الله سبحانه وتعالى، وأن دماء إخواننا المسيحيين هي نفس دماء إخوانهم المسلمين كلها دماء محرمة لم تقترف ذنبا إلا أنها تنتمي إلى الأمة المصرية، والأمة المصرية لم تقترف ذنبا إلا أنها تيقظت واستعصت على مؤامرة ومخطط كبير يستهدف وحدتها ويعمل على تفتيت أراضيها إلى دويلات متصارعة متناحرة تدفع من رصيد وحدتها وسلامتها وأمنها الشيء الكثير الذي يوفر الأمن والأمان والسلام لإسرائيل.


ولسنا بحاجة أيضا إلى أن نثمن المواقف الوطنية المشرفة لإخواننا الأقباط وعلى رأسهم الكنيسة المصرية بقيادة البابا تواضروس الذي فطن كعادته إلى أن الأمة المصرية بكاملها مسلمين ومسيحيين هم المستهدفون وكما احتسب من قبل الهجمة الهمجية التي أسفرت عن حرق عشرات الكنائس فداء للوطن، احتسب كذلك مقتل المصريين في ليبيا فداءللوطن، وهذه المواقف الوطنية ليست بجديدة على الكنيسة المصرية ولا على قياداتها الواعية لما يراد بوطنهم.


لا مناص لنا من المحافظة على الوحدة التي بنيناهابدمائنا عبر عقود بل قرون طويلة جعلت من الأمة المصرية أمة قوية ثابتة صامدة في وجه الفتن والمحن، بل كانت مصر بفضل صمود أبنائها هي حامية العرب وضامنة وحدة وسلامة الأوطان العربية جميعا.


ونعود لنتأمل فيما فعلته هذه التنظيمات المجرمة ولنتفكر في السبب وراء التفنن المقيت في تبشيع وترويع مشاهد القتل والحرق والذبح والمبالغة في بث ذلك علي العالم كله ثم إلصاق تلك الأفعال الشنيعة بالإسلام ورسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، ولنسأل أنفسنا سؤالا جديا هل تتوقف مشكلة هؤلاء الخوارج عند الفهم المغلوط لآيات وأحاديث الجهاد، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟؟!


الحقيقة التي لا مراء فيها الآن أن هناك تعمدًا واضحًا لتشويه صورة الإسلام وتبشيع أحكامه لدى عامة الناس في الشرق وفي الغرب، ويكفي أنه قبل كل جريمة ذبح وقتل وإحراق تردد عبارة: الحمد لله الذي أرسل رسوله بالسيف رحمة للعالمين، والذي نعلمه يقينا أن الله تعالى لم يرسل رسوله بالسيف بل أرسله بالقرآن الكريم وبالهدى والحق والرحمة والسماحة والهداية للناس كافة.


وأما ما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول (بعثت بالسيف بين يدي الساعة) فلم تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو معلول من جميع طرقه، فإسناده ضعيف على نكارة في بعض ألفاظه. ففي سنده ابن ثوبان - وهو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان - وقد اختلفت فيه أقوال المجرحين والمعدلين، فمنهم من قوى أمره، ومنهم من ضعفه، وقد تغير بأخرة، وخلاصة القول فيه أنه حسن الحديث إذا لم يتفرد بما ينكر، فقد أشار الإمام أحمد إلى أن له أحاديث منكرة، وهذا الحديث منها.


وهل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح أحدا أو أحرق أحدا محاربا كان أو أسيرا كما يفعل هؤلاء المجرمون المشوهون لحقائق الإسلام وسماحته. إن الالتفاف حول القيادة السياسية الوطنية وقواتنا المسلحة التي ردت كيد المعتدين، واجب لا محيص عنه على كل مصري ولا جدال ولا خيار فيه، وهو المحك الحقيقي لالتفافنا حول حماية الوطن وتحقيق مصالحه والمحافظة على وحدته، وأما الاختلاف وبث أسباب الفرقة واتباع الأوهام والشائعات فلن نجني من ورائه إلا الفتنة والوقوع فيما وقع فيه غيرنا.


إن قدر مصر المقدور أن تواجه هذا الشر من جهات متعددة داخلية وخارجية، وإن قدرها المقدور أيضًا أن يدفع بعض أبنائها من الجنود أو الشعب ثمن يقظة مصر لما يحاك ويخطط لها، وعزاؤنا أننا لم نفقد أبناءنا الأعزاء في معركة باطل بل في معركة حق، وحسبنا أمام الله سبحانه وتعالى أننا ندافع عن أنفسنا ضد الظلم والعدوان، فلم نبغ على أحد ولم نعتد على أحد، وأصحاب الحق دائما هم المنتصرون بفضل من الله سبحانه، فاللهم انصرنا على أعدائنا نصرا مبينا.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف