أعجب أشد العجب من المسئولين الذين يتحدثون مثلنا عن الفساد وقصور الأداء وانعدام الالتزام بالقانون مع أن هذا ليس دورهم الذي جاءوا إلي مناصبهم من أجله.. دورهم أن يقاوموا الفساد ويواجهوا قصور الأداء ويفرضوا تطبيق القانون.. ويقولوا لنا ماذا فعلوا وماذا ينوون فعله.. ما الذي نجحوا فيه وما الذي فشلوا فيه ولماذا؟!
لكن الواضح أن هناك قطاعا عريضا من المسئولين يستسهلون مهمة التشخيص والتوصيف لأنها تعفيهم من مسئولية الفعل.. ويريدون تبادل الأدوار معنا نحن الذين لا نملك أي مسئولية.. وليس لنا أي دور غير التنبيه والتوجيه وإثارة الاهتمام حتي يتحرك من بيده السلطة ومن بيده القرار.. فإذا بمن بيده السلطة وبيده القرار يشاركنا دورنا ويتنازل عن دوره طواعية.. أو لأسباب لا نعلمها.
مثلنا ومثله كمريض ذهب إلي طبيب ليعالجه.. فوقف الطيب تائها حائرا بعد أن كشف عليه.. وفاجأه بالقول أنت تعاني من كذا وكذا وكذا ومع ألف سلامة شفاك الله وعافاك.
كثيرا ما أشعر بإحساس هذا المريض وانا اسمع او أقرأ التصريحات النارية التي يقولها المسئولون او تنقلها عنهم الصحف.. وهي تصريحات تشبه قنابل الدخان الكثيف التي تطلق اثناء انسحاب القوات من مواقعها.. وأقول في نفسي: هل المطلوب الآن من الشعب أن يقوم هو بالمسئولية وكيف؟!
في الأسبوع الماضي تكررت تصريحات المستشار هشام جنينه رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات حول المخالفات الرهيبة والفساد.. وفي بعض هذه التصريحات المنشورة "المصري اليوم" الأربعاء الماضي شدد علي أهمية وجود آليات وقوانين تواجه الفساد.. سواء داخل المؤسسات أو خارجها... وقال: رصدنا مخالفات عديدة في جهات عديدة تقول عن نفسها انها سيادية لكن لم نعلن عنها لأننا حريصون علي تفعيل دور الجهاز.
حسنا: إذا كان المسئول عن مواجهة الفساد يقول هذا فماذا نقول نحن؟!
ثم يزيدنا المستشار جنينة من الشعر بيتا فيقول: الفساد قوي وانتشر بشكل أصبح أي مسئول يواجهه يجد حربا شرسة.. وهؤلاء الفسدة يمتلكون وسائل من التشويه والإثارة وإلقاء التهم الجزافية.. ويمتلكون قدرة علي تحريك بعض المنابر الاعلامية من خلال تحكم رأس المال في الإعلام.. وهناك مجموعة ولوبي فساد يساند بعضه البعض.. وهذا اللوبي متحكم في مؤسسات كثيرة في الدولة.. ونحن نعمل جاهدين للتخلص منه.. لكن للأسف له أذرع في كل مؤسسة من مؤسسات الدولة.. وسنتصدي لكل فاسد في أي موقع يحتمي بمنصبه.
ومرة أخري.. إذا كان هذا كلام المسئول عن مواجهة الفساد فماذا يكون كلامنا نحن الذين ليست لنا أي مسئولية؟!
وهناك نموذج آخر قدمه الدكتور أسامة حمدي محافظ كفر الشيخ الذي نقلت عنه "الشروق" يوم الأربعاء الماضي أيضا أن 70% من موظفي المحليات فاسدون ولكن بنسب.. فمنهم المقصر ومنهم المتخاذل ومنهم المتواطئ.. وبعضهم مرتش.. والبعض الآخر "يزوغ" وهي أمور تصب في خانة الفساد وتؤدي لتعطيل مصالح المواطنين.
نعم.. كلنا يعرف ذلك ولم نكن ننتظره من المحافظ.. وإنما كنا ننتظر كلاما آخر بشأن القرارات والاجراءات التي اتخذها لعلاج هذه الامراض ومقاومة الفساد.. فلقد شبعنا من التصريحات النارية وشبعنا من قنابل الدخان.. ولم تفارقنا بعد عبارة زكريا عزمي أول قنبلة التي ألقاها في مجلس الشعب عندما قال إن الفساد في المحليات وصل للركب.. وهي قنبلة دخان فارغة كان هدفها امتصاص الغضب الشعبي.. او التفتيش عنه فقط.. دون ان تتبعها إجراءات تنفيذية حاسمة وقاطعة لمقاومة هذا الفساد.
وهل يمكن ان ننسي التصريحات النارية التي اطلقها وزير الزراعة السابق ضد الفساد والمفسدين وكيف كانت هذه التصريحات قنابل ودخان للتغطية علي فساده وفساد الجوقة المحيطه به؟!