الجمهورية
د. محمد مختار جمعة
الدولة والفوضي
هذا العنوان يحمل العديد من المدلولات الهامة. أولها: الفرق بين الدولة والفوضي. فالدولة حماية. الدولة أمان. الدولة ثقة. الدولة استقرار. الدولة نظام. الدولة مؤسسات. الدولة أجهزة. الدولة بني فكرية وسياسية واقتصادية وتنظيمية وتشريعية. والفوضي علي العكس من ذلك كله. فهي اللانظام. واللا مؤسسات. واللا أمان. واللا استقرار. واللا أمن. وهكذا سلسلة من السلبيات لا الإيجابيات.
وقد حاول أعداء الأمة أن يسوقوا لهذه الفوضي. وأن يجملوا وجهها ببعض المساحيق المسرطنة. فقالوا: الفوضي الخلاقة. والفوضي البناءة. الفوضي الفاعلة. في مؤامرات خسيسة ودنيئة وقذرة لتفكيك دولنا. والوصول بها إلي دويلات صغيرة وعصابات متناحرة. وبالأحري اللا دولة علي نحو ما نري حولنا في ليبيا وسوريا والعراق واليمن. أو نحو ما حدث في الصومال وأفغانستان وغيرهما من الدول. كل ذلك لتسهيل السيطرة علي هذه الدول. ونهب خيراتها والاستيلاء علي مقدراتها والتحكم في قراراتها وتوجهاتها. أو التخلص من كيانها لو وجدوا إلي ذلك سبيلا. ونسج مسخ جديد منبت الصلة عن ماضيه وحاضره. حائر متوجس من مستقبله أو لا أمل له فيه أصلا. ونسي هؤلاء أو تناسوا عِبر ودروس التاريخ من أنه لا أمان لأحد في هذا العالم ما دام ظلم الإنسان والعمل علي استعباده قائما. ويحضرني في ذلك قول الشاعر العراقي محمد مهدي الجوهري:
وما أنا بالهيَّابِ ثورةَ طامع .. ولكن جماعُ الأمرِ ثورةُ ناقم
فما الجوع بالأمر اليسير احتمالهُ .. ولا الظلمُ بالمرعي الهنيءِ لطاعِم
نذيرَكَ مِن شعب أطيلَ امتهانُه .. وإن باتَ في شكل الضَّعيفِ المسالم
سواء أكان ذلك علي مستوي الأفراد. أم علي مستوي الأمم والشعوب. فما يحدث في شرق العالم نجد صداه في غربه وما يكون في شماله تجد أثره وصداه في جنوبه. بل إن الجهات الأربع تتداخل وتتواري وتتقاطع في ظلك أدوات التواصل الحديثة والعصرية التي جعلت من العالم كله قرية واحدة. علي أن الإرهاب عابر للقارات. متجاوز للحدود. فكما نؤكد دائما الإرهاب لا دين له. ولا وطن له. ولا عقل له. وكما قالوا: فإن خلائق السفهاء تعدي.
ولا شك أن الفوضي التي تحدث حولنا كان مخططا لها أن تدور في بلادنا. لكن ما قامت به قواتنا المسلحة الباسلة بقيادة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية أفشلت مخططات أعدائنا وأربكت حساباتهم. وكشفت مؤامراتهم الدنيئة تجاه وطننا وأمتنا. وهو ما يستحق منا التحية والتقدير للسيد الرئيس ولقواتنا المسلحة الباسلة. ويجعلنا نعلن بكل فخر واعتزاز ثقتنا الكاملة في قواتنا المسلحة والوقوف بكل ما أوتينا من قوة من خلفها. مع تجديد الثقة والتفويض للسيد الرئيس سواء من مواجهة الإرهاب والتخريب. أم من منطلق البناء والتعمير.
وهناك جانبان آخران من الفوضي يجب التصدي لهما بكل قوة وحسم:
الأول: ما ترمي إليه الجماعات الإرهابية من محاولة زعزعة استقرار المجتمع من خلال عمليات التفجير والتدمير وترويع الآمنين واستهدافهم وإطلاق الشائعات للتأثير علي المجتمع وخلخلة ثوابته وثقته في قيادته. وقد أكدنا من قبل وسنظل نؤكد أنه لا بد من محاكمة هؤلاء المجرمين بتهمة الخيانة الوطنية. ففي الوقت الذي تحيط فيه بنا المخاطر من جوانب متعددة. يحتاج منا جميعا أن نعمل وبكل حسم علي تطهير جبهتنا الداخلية من الخونة والعملاء والمأجورين وأذناب الاستعمار وعملائه. فعلي حد قول الشاعر العراقي محمد مهدي الجوهري:
ولقد رأي المستعمرون فرائسا .. منا وألفوا كلب صيد سائبا
فتعهدوه فراح طوع بنانهم .. يبرون أنيابا له ومخالبا
مستأجرين يخربون بيوتهم .. ويكافأون علي الخراب رواتبا
النوع الآخر من الفوضي هو البلطجة الفئوية. ومحاولة ابتزاز الدولة. فقد مرت الدولة بمرحلة استطاع فيها بعض النفعيين والانتهازيين استغلال حالة الفراغ الأمني. للحصول علي مكاسب أو مواقع لا يستحقونها أو غيرهم أولي بها منهم علي أقل تقدير. وقد أغري ذلك بعض ضعاف النفوس ومازال يغري البعض بالسير في الاتجاه نفسه. غير واعين بالمتغيرات ولا التحديات. فقد عادت أجهزة الدولة الوطنية إلي ممارسة عملها الطبيعي وصارت تميز الخبيث من الطيب. وتدرك أهمية اختيار الكفاءات الوطنية المخلصة. وخطورة ما كان يتم في مراحل سابقة من الاستجابة لابتزاز الأعلي صوتا أو الأكثر قدرة علي الحشد والإثارة والتهييج.
كما ينبغي أن يدرك الجميع أننا في مرحلة فارقة من تاريخنا سواء علي مستوي الوطن. أم مستوي الأمة. أم مستوي المنطقة. وهذا يستدعي من جميع الوطنيين الشرفاء إيثار المصلحة العامة علي أي مصلحة شخصية أو حزبية أو نفعية. وأن نعمل جميعاً علي كشف المبتزين وأصحاب المصالح والمطامع والمنافع في أنانية مقيتة. يقول سبحانه وتعالي: "والله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" "يوسف: 21".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف