الوطن
حسن ابو طالب
نظرة للشرطة.. «يا ريس»
فى الحوار المنشور فى جريدة «الوطن» قبل أربعة أيام مع المواطن الذى اعتدى عليه أحد ضباط الشرطة صغار السن بألفاظ مهينة ثم أعقبها بطلق نارى أصاب الكتف، وقررت النيابة حبسه على ذمة التحقيق لمدة أربعة أيام ثم خمسة عشر يوماً أخرى، يوجد الكثير من العناصر التى ينبغى الوقوف عندها. ونلخصها فى أربعة، أولها أن هناك بعض المنتسبين إلى جهاز الشرطة من لا يدركون حساسية اللحظة التاريخية التى تمر بها مصر الآن، ويتصرفون برعونة شديدة وكأنهم يملكون الدنيا، ويرون أنفسهم فوق القانون ولن يحاسبهم أحد، وهو إدراك موصول بسلوك دفعت مصر كلها من قبل، وليس فقط جهاز الشرطة، ثمناً فادحاً له وما زلنا نعيش بعض نتائجه، ويكفى أن نُذّكر هنا بحملة خالد سعيد فى العامين ما قبل 25 يناير 2011، والثانى أن هناك مجاملات يقوم بها أفراد الشرطة لبعضهم البعض، كأن يقوم مأمور القسم وبعض الضباط بمجاملة زميل لهم على حساب الحق والضمير والقانون، ويعملون على إخراجه من الورطة التى وضع نفسه فيها عبر التلاعب فى مسار التحقيق قبل الوصول إلى النيابة التى تكتشف حقيقة ما جرى وتأمر بما يجب فعله وفقاً للأصول والقانون، فيخيب ظن المجاملين ولكنهم لا يعتذورن ولا يحاسبون أيضاً، والثالث أن سلوك الوزارة وإن قام القائمون عليها خاصة السيد الوزير بوقف مثل هذا الضابط المُعتدى واعتبر أن مسئوليته تنتهى مع تحويله للنيابة العامة هو أقل بكثير مما يمكن فعله لمثل هذه الوقائع الضارة بمصر كلها وليس فقط جهاز الشرطة، وكنت أتصور وما زلت أن هناك محاسبة لا بد أن توجه بكل صرامة لكل الذين حاولوا أن يتلاعبوا بالحقائق أياً كانت الرتبة التى يحملونها، وأن يضيعوا حق المواطن البسيط المعتدى عليه وأن يحموا ضابطاً أساء السلوك بدرجة شديدة بما فى ذلك إطلاق النار من سلاح ميرى، وأن تُعلن هذه المحاسبة على الملأ لتكون عبرة للجميع، والرابع أن هناك ثغرات كبيرة فى أداء مستويات مختلفة من الضباط، وهو ما يعنى أن عملية التنشئة والتدريب وإدماج قيم حقوق الإنسان وفق المعايير العالمية الواردة فى مدونات الأمم المتحدة ما زالت متعثرة إن لم تكن فاشلة، والمطلوب ببساطة أن يُعاد النظر فى هذه العملية التربوية لا سيما للضباط الجدد، وكذلك فى المستويات الوسيطة، وأن يُصحح للجميع بأن تضحيات الشرطة المقدرة من قبل الشعب بكامله لا تعنى إطلاقاً إهدارها من خلال السكوت على سوء تصرف البعض القليل، ولا تعنى إهمال إعادة الهيكلة النفسية والتدريبية بالقدر الذى نرى آثاره غير المرغوبة بين الحين والآخر.

لقد دفعت مصر ثمناً باهظاً للزمن الذى ظن فيه بعض الضباط أنهم فوق القانون وأنهم بعيدون عن المحاسبة، ودفعنا جميعاً بمن ذلك المنتسبون للشرطة أنفسهم من كل المستويات القيادية ثمناً كبيراً نتيجة سلوكيات الاستعلاء وتجاهل كرامة المواطنين والتغطية على الأخطاء وكأنها لم تكن، وجميعنا يذكر ماذا فعلت حملات التواصل الاجتماعى وصفحات بُنيت خصيصاً لنشر ثقافة الكراهية بين الشعب والشرطة، استناداً إلى أخطاء كبيرة وفادحة وقع فيها بعض الضباط، وما فعلته تلك المواقع من تعبئة نفسية لقطاعات كبيرة من المواطنين ضد الشرطة كجهاز وضد كل فرد فيها. ونعلم جميعاً أن هناك حالة تربص شديدة ومتنمرة تحيط بنا كشعب وببلادنا كوطن ومؤسسات، وتسعى بكل قوة لاستغلال وتوظيف أصغر خطأ حتى لو عفوياً يمكن أن يقع فيه أحد المنتسبين لجهاز الشرطة، وقد رأينا عينة بسيطة مما نشرته الصحف الإنجليزية فى الأيام القليلة الماضية من صور لأفراد أمن يجلسون باسترخاء وكل تركيزهم فى هواتفهم بدلاً من التركيز فيما يحيط بهم، فى محاولة لتثبيت صورة سيئة عن الأداء الأمنى المصرى، وأن هناك حالة استرخاء وإهمال هى السبب وراء كارثة الطائرة المدنية الروسية فوق سيناء. وفى ظل حالة التربص هذه يمكن بسهولة استغلال وتوظيف السلوك غير المهنى لضابط أو أكثر فى استعادة الصورة البغيضة التى سادت من قبل حول علاقة الشرطة بالشعب، ومن ثم استنساخ نفس البيئة السياسية التى سبقت 25 يناير، ولعل ظهور أحد أكبر أقطاب إنشاء مواقع اجتماعية لعبت دوراً كبيراً فى الإساءة لجهاز الشرطة بعد عدة أعوام من الكمون، والحديث عن ذكريات مسيئة يدفعنا إلى مزيد من الحرص ومزيد من السلوك الرصين المُتمسك بالقانون وحقوق الإنسان.

لقد سمعنا بعض المنتسبين للشرطة يتحدثون عن أن زمن العادلى راجع، وهو قول بائس لا يدرك قائله آثاره السلبية على علاقة الشرطة بالمصريين بعد أن بدأت تتخذ مساراً جيداً نسبياً فى العامين الماضيين تحديداً، لكن مثل هذه الأقوال تشى بأن البعض من الشرطة لم يفهم الدرس بعد، وما زال بحاجة إلى تنبيه وتذكير بأن أى جولة كراهية جديدة بين الناس والشرطة ستكون مدمرة بكل معانى الكلمة، خاصة أن الضغوط والعدائيات من بعض الداخل ومن كثير من الخارج فى أوج قوتها وشرها.

وأعتقد أن ما سبق قوله معروف وملموس، وهو الأساس الذى أبنى عليه ندائى للرئيس السيسى ولكل قيادات وزارة الداخلية، ولكل مستشارى الرئيس فى الشئون الأمنية بأن الوقت حان بأن تكون هناك إعادة هيكلة كاملة وجذرية لأساليب التنشئة والتدريب فى جهاز الشرطة من أقل رتبة إلى أعلاها، ويحز فى نفسى أن أرى بعض المنتسبين لهذا الجهاز ما زالوا بعيدين عن استيعاب حجم التغير الموجود فى المجتمع، فصورة واحدة يمكن أن تقلب الدنيا، ولقطة فيديو مثيرة من أربع أو خمس ثوان يصورها مواطن عادى بهاتف محمول وتنشر على شبكة المعلومات يمكن أن تخلق مشاعر جماعية لا يمكن احتواؤها وتسبب ضرراً بالغاً، هذه أمور باتت معروفة ونعيشها جميعاً، والخوف أن يقوم المتربصون تماماً كما فعل مراسلو الصحف الإنجليزية بتصوير أفراد أمن أو ضباط فى سياقات غير مهنية لتوظيفها فى التحضير لشىء ما نشعر به ونقلق منه بالفعل وليس بالوهم، خاصة ونحن على أعتاب يناير جديد، ونرى فى الأفق بوادر وتحركات غير مريحة بكل معنى الكلمة، وندائى الأخير إلى سيادة الرئيس ومساعديه، جهاز الشرطة بحاجة إلى علاج فعال الآن وليس غداً، ولنواجه جميعاً قصورنا بأيدينا قبل أن يفوت الأوان، وعندها لن ينفع الندم .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف