أ.د. حسام الدين مغازى
رؤية للموارد المائية في 2050 الميزان المائي المصري (1)
حمل الينا تقرير حديث صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء ان عدد المصريين قد وصل بالتمام والكمال 90 مليوناً داخل مصر، بالاضافة إلي 6 ملايين يعيشون بالخارج. كما ارتفع معدل الزيادة السنوية من 1.3 مليون إلي 2.5 مليون نسمة. وهذا يعني ان المعدلات الحالية للزيادة السكانية سوف تأتي لنا بشعب جديد من المصريين يبلغ عدده 90 مليوناً اضافية يعيشون معنا علي ضفاف النهر، ويتشاركون مع الشعب الحالي في مواردهم المحدودة. والحقيقة أن تلك الارقام لها انعكاسات كبيرة علي تخطيط ووضع السياسات المستقبلية لمصر في جميع المجالات، واخص هنا تأثيرها علي الموارد المائية وما يمكن ان تؤدي اليه من اضطراب في الميزان المائي المصري الذي يعاني منذ فترة طويلة من الاختلال.
الميزان المائي يشبه ميزان العدالة في وجود كفتين، ولكنه يختلف عنه في وضع الكفتين، فهما متزنتان في العدالة ومختلتان في الماء. كفتا الميزان المائي احداهما تحمل الايرادات المائية والاخري تحمل الاحتياجات. ايراداتنا من المياه مصدرها الاساسي هو نهر النيل وتدفقاته من اعالي النهر، وهي حصة ثابتة ومحددة قدرها 55.5 مليار متر مكعب، ومتضمنة في اتفاق اقتسام فوائد بناء السد العالي بين مصر والسودان عام 1959.
كما تشمل الايرادات مياه الخزان الجوفي العميق والتي تقدر بـ 2 مليار متر مكعب سنوياً، وهناك حوالي 1.3 مليار متر ناتج الامطار والسيول، وحوالي 0.4 مليار متر مكعب من تحلية مياه البحر سواء علي سواحل البحر الاحمر او المتوسط عند الساحل الشمالي ومرسي مطروح. فيصبح اجمالي المتاح في كفة الايرادات لا يتجاوز 59 مليار متر مكعب، بينما يصل اجمالي الاستخدامات المائية سنويا 78 مليار متر مكعب متضمنة مياه الشرب والزراعة والصناعة وكافة الاستخدامات الاخري.
يبدو اختلال الميزان المائي واضحا ويتمثل في 20 مليار متر عجزاً سنوياً، وهو ما يتم تعويضه باعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، التي هي اقل جودة من المياه السطحية من النيل. ومع الاخذ في الاعتبار ارتفاع معدلات الزيادة السنوية مع تزايد الاحتياج للمياه اللازمة للمشروعات القومية وخطط التنمية التي تعتمد كلها علي المياه، يكون هذا الاختلال مرشحا للاتساع خلال السنوات القادمة وهو ما يستوجب اهمية وضع رؤية استراتيجية تتيح الاجابة عن اسئلة ملحة تدور حول كيفية الوفاء باحتياجات مائية متزايدة في ظل موارد مائية ثابتة. والاسئلة الملحة تحتاج إلي اجابات جريئة تقطع بالحلول ولاتؤجلها او ترحلها إلي اجيال قادمة.
اول الاسئلة عن شبكة الري المصرية التي تتجاوز أطوالها 50 ألف كيلومتر، منها 35 ألف كيلومتر ترع رئيسية وفرعية بالإضافة إلي 15 ألف كيلومتر من المصارف الزراعية التي تستقبل المياه بعد استخدامها في الري الحقلي. وتلك الشبكة القديمة تحتاج لصيانة دورية واستثمارات هائلة ومثال واحد علي ذلك تكلفة رفع كفاءة جزء من شبكة الري والصرف بمنطقتي البحيرة والاسكندرية حيث بلغت وحدها مليار جنيه وقد وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بتدبير تلك الموارد من صندوق تحيا مصر.
فماذا عن باقي الشبكة التي تمثل منطقة غرب الدلتا 10 % من إجمالي أطوالها وعدد المنشآت المائية الواقعة عليها؟ فشبكة الري القديمة تتم إدارتها وصيانتها وتشغيلها بالكامل عن طريق وزارة الموارد المائية والري، ويكون السؤال المطروح يتعلق بإمكانية مشاركة القطاع الخاص والأهلي في إدارة جزء من تلك الشبكة الممتدة، وهل هذه الشراكة ستؤدي إلي تحسين أداء وكفاءة الشبكة؟ أم أن الاستمرار في أسلوب الإدارة الحالي هو الافضل؟
السؤال الثاني يتعلق بطرق الري الحقلي التي يستخدمها المزارعون واعتادوا عليها في الوادي والدلتا والتي تتركز بالأساس في الري بالغمر، هل يمكن تطوير تلك الطرق وإقناع المزارعين بتبنيها حتي تساهم في تخفيف الفجوة بين الايرادات والمصروفات المائية؟
وهناك سؤال آخر يتعلق بالتركيب المحصولي الذي يستهوي أهلنا في الريف، ويأتي الأرز علي قائمة المحاصيل الأكثر استهلاكاً للمياه والأكثر طلبا من المزارعين نتيجة عائده النقدي المرتفع بالرغم من تدني عائده الاقتصادي، بالإضافة إلي قصب السكر والموز. فكيف نشجع المزارعين علي تبني محاصيل أقل استهلاكاً للمياه في ظل عائد مادي أقل؟ وأسئلة أخري تتعلق بإعادة النظر في الاكواد التصميمية للمجاري المائية في ظل تغيرات مناخية انتقلت من مرحلة الاحتمالات إلي مرحلة الحقائق.
ونبدأ الأسبوع القادم في الاجابة عن كل سؤال من تلك الاسئلة.
حفظ الله مصر وشعبها ونيلها من كل سوء .