الوطن
أسامة هيكل
هل تفهم قطر أنها فى خطر؟
علينا جميعاً الانتباه لخطورة المرحلة المقبلة.. فخريطة المنطقة تتغير، ومن لا يدرك هذه الحقيقة سوف يخرج من التاريخ وليس فقط من الجغرافيا. وإن كانت قطر تظن أن انخراطها فى عمليات شق الصف العربى سوف يحميها من هذا الخطر، فهى خاطئة تماماً.

وإذا كانت تظن أن أموالها سوف تغنيها عن هذا المصير، فهى واهمة لأنها ستضيع بأموالها. وإن كانت تظن أن القواعد الأمريكية على أراضيها سوف تعطيها حصانة، فهى لا تعرف أنها الآن فقدت إرادتها بالفعل، وعليها أن تسأل نفسها: هل تستطيع أن تتخلص من هذه القواعد فى أى وقت من الأوقات أم لا؟

والحقيقة أننى لا أريد الخوض فى مسألة كراهية قطر لمصر عبر عقود طويلة دون مبرر واضح، ولا أريد الخوض فى مسألة استخدامها من قبل قوى أخرى كأداة لتنفيذ سياسات معينة، ولكن الواجب لها النصيحة، لأنها فى النهاية مهما صغرت مساحتها وقل سكانها، فهى لا تزال جزءاً من الأمة العربية.. ومن باب النصيحة، فإن دعمها للإرهاب أصبح مفضوحاً للكافة، ولا يوجد إطلاقاً من يختلف مع هذه الحقيقة، وحينما تعترض قطر داخل الجامعة العربية على حق مصر فى الدفاع الشرعى عن نفسها بعد الحادث الإرهابى الأخير الذى شاهده العالم واهتزت مشاعره فى ذبح 21 مصرياً، فإنها بذلك تعترف ضمنياً بعلاقتها بتلك الجماعات الإرهابية المنتشرة على الأراضى الليبية، وغيرها من البلدان العربية التى تعانى الظاهرة. ولا أدرى كيف يجرؤ مندوب قطر بالجامعة العربية على الاعتراض على ذلك الحق، إذا كانت ليبيا نفسها توافق مصر على ذلك، ومصر حينما نفذت طلعاتها الجوية فجر اليوم التالى لواقعة الذبح كانت على اتصال وتنسيق دائمين بالسلطات الليبية والتى أعلنت هى نفسها ذلك. ولا يفهم من ذلك العبث القطرى إلا أن لها مصلحة مباشرة فى دعم هذه الجماعات المتطرفة التى تسعى لشق الصف العربى وإثارة الفتن بين شعوبه. وبالطبع هذه ليست مصلحة مباشرة ولكنها مصلحة بالوكالة لصالح الغير.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن قطر استدعت سفيرها من مصر للتشاور بعد ما واجهه مندوب مصر فى الجامعة بأن قطر بهذا الموقف تدعم الإرهاب.. ولا أدرى هل مطلوب أن ترعى قطر هذا الإرهاب وتعترف بذلك فى تصرفاتها ومواقفها، ومطلوب من العالم العربى أن يتجاهل تلك الحقيقة، ويتعامل معها كأنه لا يرى أفعالها المشينة.

والمؤسف أن قطر التى استجابت لضغوط خادم الحرمين الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر فى محاولة لتقليل الخلافات بين الدولتين، بادرت فور وفاته بالعودة لنفس السياسة على قناة الجزيرة مباشر العامة، ولم تنتظر حتى صلاة الجنازة عليه. ولا أبالغ إن قلت إن قناة الجزيرة القطرية التى تنفق عليها قطر من أجل تحقيق أهداف قوى أخرى كبيرة، هى سبب الفتنة الرئيسى بين الدول العربية بل وبين أبناء الدولة العربية الواحدة على مدى السنوات العشر الماضية.

وكلما تحدث أحد القيادات العربية مع المسئولين القطريين حول هذه القناة ردوا بأنها تسبب لهم الأزمات ولكنهم لا يتدخلون فى شئونها. وهذا كلام سخيف، فلا قطر تعلم شيئاً عن الديمقراطية، ولا تعلم شيئاً عن حرية الإعلام، ونظام الحكم هناك يخلو تماماً من أى مظهر من مظاهر تلك الديمقراطية التى تنتقد الجزيرة عدم وجودها فى دول المنطقة، ولكنها لا تتحدث أبداً عن تلك الطريقة الديمقراطية الفريدة فى تداول السلطة بقطر، فكل ابن يقذف والده خارج الحكم ويجلس فى مقعده.

عموماً.. هذا قدرنا.. فمن بين أعضاء الأمة العربية دولة اسمها قطر علينا أن نتعامل معها، ونحاول أن نعيدها إلى صوابها، فهى نفسها فى خطر، ويظن قاداتها أنهم يحتمون بدعم القوى الإرهابية المتطرفة للأبد، ولكنها حماية مؤقتة، وما أسهل أن يضرب التطرف قطر الشقيقة الصغرى للعرب.

لقد استفاد أصحاب العقول من العرب من دروس السنوات الماضية، وبدأوا يفهمون أن خريطة جديدة يتم رسمها بالفعل للمنطقة، وفهموا أيضاً أن مصر هى الرقم الرئيسى فى معادلة حماية العرب، وفهموا أننا فى معركة وجود، ولا يمكن أبداً أن تستمر الأوضاع على ما هى عليه. وأود هنا الإشارة لخطاب مهم أدلى به الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى 4 مارس 2011 عقب سقوط نظام مبارك فى مصر، حيث قال إن الانتفاضات التى تشهدها المنطقة العربية تخدم سياسات الولايات المتحدة، وأضاف أن القوى التى أطاحت بمبارك يجب أن تتعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل. هذه الكلمات توضح الدور الذى أُملى على قطر لتلعبه وعليها أن تختار بين الاستمرار فى لعبه حتى تضيع هى كما ضاعت دول أكبر منها، أو أن تحاول كسب جزء من الاحترام العربى الذى فقدته. فلا يمكن أن يستمر التعامل العربى مع قطر بكل هذا الكم من الريبة والشك.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف