د.هانى سرى الدين
خطاب مفتوح إلي السيد رئيس مجلس الوزراء
سيدي رئيس الوزراء... أياً كان صاحب قرار الإخراج بهذا الشكل، وأياً كانت دوافعه، فهو قد أصاب هذا البلد برصاصة قاتلة، ويجب فتح تحقيق موسع في هذا الشأن
السيد رئيس مجلس الوزراء
تحية واحتراماً وبعد،
الموضوع: اغلقوا المصري اليوم واطردوا المستثمرين من مصر:
تابعت شأني شأن كل المصريين وقائع القبض علي مؤسس جريدة المصري اليوم المهندس/ صلاح دياب ونجله توفيق دياب. وقد بدأت تداعيات الأحداث بصدور قرار من النائب العام بالتحفظ علي أموال صلاح دياب وأبنائه وشركائه وآخرين بشأن مشروع «نيو جيزة» بالطريق الصحراوي القاهرة/الإسكندرية. ولا شك أن التحفظ يدخل ضمن صلاحيات النيابة العامة في اتخاذ ما تراه من تدابير احترازية تحت رقابة القضاء، وهو أمر لا يخص السلطة التنفيذية. ولكن لا شك أن اتخاذ مثل هذا الإجراء بشأن بلاغ مقدم منذ أربع سنوات، ودون استدعاء للمتهمين أو سماع أقوالهم أمام النيابة، وقبل صدور أو الإفصاح عن تقرير الخبراء، ومواجهة المتهمين بشأن هذا التقرير وقبل توجيه أية اتهامات أمر نادر الحدوث، وغير متكرر ويثير التساؤل!! ومع ذلك يظل الأمر يخضع للسلطة التقديرية للنيابة العامة.
وأعقب ذلك في اليوم التالي لقرار التحفظ قرار آخر بالقبض علي صلاح دياب ونجله توفيق دياب علي سند من القول بأن هناك بلاغا ضدهما بحيازة أسلحة في منزليهما وأن هذه الأسلحة بدون ترخيص. فقامت قوات الأمن بالإنزال البري والنهري علي فيلا صلاح دياب في عز الفجر، وأعادوا أيام الدولة البوليسية بكل جبروتها، واقتحموا حرمة المنازل وكأنهم يقتحمون وكر أعتي المجرمين والإرهابيين في العالم!! ولم يكن ينقص المنظر سوي الإنزال الجوي علي أسطح الفيلا... ودخل الملثمون المنزل واقتحموا غرف النوم، وقاموا بقطع التيار الكهربائي عن الفيلا لمدة 15 دقيقة!! وبعد القبض علي صلاح دياب تم غلّ يديه بالأساور الحديدية - يبدو خشية الهروب أو العنف من قبله!! خاصة وأنه أجري عمليتي قلب مفتوح وعملية غضروف ويبلغ من العمر سبعين سنة!! ـ ولم يتم الاكتفاء بالتكبيل بل تم التجريس والامتهان بتصويره من أحد أعضاء الحملة وإرسال الصور إلي الصحف والمواقع الإخبارية.
وبعد القبض علي صلاح دياب ونجله تم حبسهما 4 أيام علي ذمة التحقيق ثم تجديد الحبس 15 يوماً. وعلي الرغم من أنه جري العرف في هذه القضايا أن يتم الإفراج عن المتهمين بكفالة لحين ورود تقارير البحث الجنائي إلا أن الأمر يخضع لتقدير النيابة العامة والقضاء.
سيدي رئيس الوزراء... أياً كان صاحب قرار الإخراج بهذا الشكل، وأياً كانت دوافعه، فهو قد أصاب هذا البلد برصاصة قاتلة، ويجب فتح تحقيق موسع في هذا الشأن، لأن المسئولين عن تنفيذ الإجراءات علي هذا النحو أياً كانت دوافعهم الوطنية قد أضرّوا بمصر في وقت قاتل، وأعادوا القلق والخوف للمصريين جميعاً علي أمانهم وأرواحهم وأعادوا ذكريات زوار الفجر... فإذا كان الدافع من اتخاذ هذه الإجراءات بهذا الشكل هو إخافة وترهيب أصحاب الرأي وكسر الأقلام، فقد فشلوا فشلاً ذريعاً لأن الترهيب والإذلال لم يعد مقبولاً من الرأي العام المصري، وأتي بنتائج عكسية لا تخفي علي أحد.
إن ما حدث في الأيام الأخيرة أدي إلي تشويه مصر، وقدّم علي طبق من ذهب - إلي كل المتربصين بمصر شراً - مادة دسمة للإساءة إليها والتشهير بها، ومحاولة زعزعة استقرارها... لا أعرف كيف يفكر هؤلاء!! وهل هم فعلاً يعيشون معنا في هذا العالم؟ أم أنهم منغلقون علي عالمهم وفي كهوفهم؟!! إن ما فعلوه أكبر دليل علي أن بعض الجهات والأجهزة الحكومية لا تريد أن تسمع سوي صوت واحد واتجاه واحد، وتريد أن تئد كل رأي حر، علي الرغم من أن هذه الآراء الحرة هي التي تبني وهي التي تريد الخير لمصر.
سيدي رئيس الوزراء، إن الطريقة التي تم التنكيل بمقتضاها بمؤسس المصري اليوم ونجله تعني أن البعض لايزالون يفكرون بنفس أدوات عصور الظلام والعصور الوسطي، ولا يعلمون شيئاً عن العالم المعاصر... ألا يعلم من قام بالتصوير، أن هذه الصورة نشرت في كل صحف العالم تحت عنوان «إهدار الحريات والكرامة في مصر»؟!!... لا تجعل طيور الظلام تسيطر علي مقدرات مصر، وتعود بها إلي الوراء.
سيدي رئيس الوزراء، أقسم بالله أن ما حدث أسوأ وأكثر ضرراً علي الاقتصاد المصري، ونمو الاستثمار من أحداث طائرة شرم الشيخ... لقد خسرت البورصة في ثلاثة أيام أكثر من واحد وعشرين مليار جنيه مصري من رأسمالها السوقي كرد فعل مباشر علي ما حدث... إن قرارات التنكيل بالمستثمرين رسالة سوداء تعود بنا إلي الوراء. وأخشي ما أخشاه أن يتبرع أحد العباقرة فيقول (للمهندس/صلاح دياب أدفعلك مليار للمحافظة ونقفل القضية وانت الكسبان وبلاش بهدلة ليك انت وابنك). يجب أن ترسل رسائل قوية، وأن ترفع صوتك: «المتهم بريء حتي تثبت إدانته»، هذه أبسط رسالة، لا حبس ولا تصوير ولا تنكيل ولا تحقير، ولا تهديد لمجرد وجود ادعاءات لم تثبت صحتها، لا إعلان عن جرائم فساد دون أحكام قضائية قاطعة وباتة، لا تشويه ولا تجريم بشأن خلافات تعاقدية أو تفسير للعقود، لا مساومة ولا تهديد لإجبار شخص علي سداد أية مبالغ... من أخطأ ولم يسدد حق الدولة فلتتم إحالته إلي المحاكم الجنائية صاحبة الاختصاص. إن المحللين الفنيين يجزمون بأن تناول الواقعة بهذا الشكل سيؤدي إلي هبوط سوق المال بما لا يقل عن 15%.
سيدي رئيس الوزراء... الاستثمار المباشر سيتأثر سلباً بهذه الواقعة لأننا أرسلنا تحذيرا شديد اللهجة لكل من يستثمر في مصر، لن يأتي أجنبي واحد، ونحن ننكل بالمستثمرين المصريين ونشوههم واحداً تلو الآخر. يؤسفني أن أبلغك أن هناك شركات عالمية بالأمس ألغت قرارات للاستثمار في مصر في ضوء ما حدث... هذه معلومة مؤكدة.
لا تتصور للحظة أن الهبَّة والانزعاج الذي أصاب اتحاد الصناعات والغرف التجارية من أجل شخص بعينه؛ بل هو ذعر علي مصر ومستقبل التنمية فيها... سيدي رئيس الوزراء يجب أن يكون لك وقفة... يجب أن تجهر برأيك... يجب أن تواجه وتحارب كل من يحاول إركاع مصر سواء عن قصد كما هو الحال بالنسبة لأساطين العصور الوسطي وعصور الظلام من تجار الدين أو بدون قصد كما الحال بالنسبة لبعض ممثلي السلطة التنفيذية ومأموري الضبطية القضائية... إن سلوك هؤلاء يضر ويؤذي كل مصري. وإن لم تستطع المواجهة - وأنا علي يقين أنك قادر- فلتأمر بإغلاق المصري اليوم، وطرد كل المستثمرين من مصر.
ارحموا مصر يرحمكم الله...