الأهرام
محمد ابو الفضل
المســـاندة الغائبــــة للســـــياحة
عندما بدأت السياحة فى مصر تتعافى، نجحت فى استرداد جزء كبير من العاملين الذين هجروها خلال السنوات الماضية، خاصة ممن فقدوا الرهان عليها،
بعد أن أصابتهم طعنات ولعنات كثيرة، أدت إلى بقاء بعضهم فى فقبلوا، والبعض الآخر تشبث بأهداب الأمل المنازل بمواصلة العمل فى السياحة وهم على حد الكفاف، وهناك من ذاقوا الأمرين فى رحلة البحث عن عمل جديد.
وبعد أن ارتفعت أسهم السياحة، واقتربت من المعدلات الطبيعية التى كانت عليها قبل يناير 2011، لم تجذب إليها فقط الأبناء الشاردين، وتضم أعدادا آخرين، بل أغرى الانتعاش الجديد أصحاب رأس المال بالتوسع فى أنشطتهم السياحية، كما عادت ثقة العاملين فى هذا المجال وشعورهم بالقدرة على جذب مزيد من السائحين، وقد عكست طبيعة التصرفات التى أقدمت عليها الحكومات المتعاقبة، رغبة عارمة فى جلب الأمن والاستقرار لهذا القطاع، باعتباره الفرخة التى تبيض ذهبا، ومن الضرورى الحفاظ عليها ورعايتها، وتوفير كل سبل الراحة لها.

ولأن كل الملامح كانت تشى بالتفاؤل، اطمأن العاملون على حالهم لسنوات قادمة، وبدأ عدد منهم يبنى حساباته ويرسم معالم مستقبله بصورة إيجابية، فمنهم من أقدم على شراء شقة صغيرة بالتقسيط، ومنهم من عجل بالارتباط بزوجة، ومنهم من فكر فى مشروع صغير إلى جوار عمله بالسياحة، وكل هؤلاء استعانوا بقروض بنكية لتنفيذ طموحاتهم الاجتماعية، قروض صغيرة، من فئة المائة ألف جنيه أو المائتين، على اعتبار أن الحال يدعو للاستقرار. مع العلم أن البنوك كانت قد توقفت عن اقراض صغار العاملين عقب ثورة يناير، بحجة عدم الاستقرار، واستأنفت عملية الاقراض منذ شهور قليلة فقط.

لكن جاءت التداعيات الاقتصادية والروافد السياحية القاتمة، لحادث الطائرة الروسية فقلبت التوقعات رأسا على عقب، وبقية القصة معروفة، بدءا من قرار وقف رحلات الطيران البريطانى إلى شرم الشيخ، والطيران الروسى إلى مصر عموما، وحتى التفكير فى معالجة الآثار السلبية لهذه الفاجعة.

وهو ما أحدث هزة كبيرة فى الأوساط السياحية، ربما يكون تحدث كثيرون عن وسائل التنشيط، وأدوات تجاوز المحنة، وتقليل خسائر أصحاب القرى والفنادق، غير أن قليلين توقفوا عند مصير العاملين، الذين ما زالوا فى أماكنهم أو أشغالهم، وهم بانتظار تخفيض رواتبهم أو إنهاء عقودهم، وكان فى مقدمة المعنيين هشام زعزوع وزير السياحة، الذى بحث مع غادة والى وزيرة التضامن الاجتماعي، جدولة المستحقات التأمينية، لمساندة المنشآت السياحية والفندقية.

فى هذا السياق، أقترح عليه أن يضيف إلى تحركاته وأهدافه المختلفة، هدف تخفيف الأعباء عن كاهل العاملين فى السياحة وملحقاتها، والمطالبة بجدولة القروض لهؤلاء أيضا، والاتفاق مع البنوك المقرضة تأجيل تحصيل أقساطها وفوائدها لمدة ستة أشهر مثلا، حتى تشد السياحة عودها، وترجع إليها قوتها، فمعروف أن عوائد هذا القطاع ترتبط ارتباطا وثيقا بمدى الانتعاش، حيث تتزايد أو تتناقص وفقا لدرجة إقبال أو إحجام السائحين.

عندما أتحدث عن بحث مسألة تأجيل الأقساط، أقصد العاملين البسطاء، من أصحاب الديون القليلة، لأن درجة تحمل أصحاب رأس المال أكبر فى هذه الحالة، ولديهم بالطبع قدرة للصبر تفوق العاملين لديهم، وربما تكون هذه بادرة جيدة من البنوك، تعزز الثقة فيها، وتبعث برسالة معنوية مهمة، تؤكد اصطفاف الجميع، لوأد الانعكاسات السيئة لمحنة الطائرة الروسية، والتى ركب على حطامها البعض لتصفية حساباتهم السياسية مع الدولة المصرية، ومحاولة زيادة حدة الضغوط الداخلية عليها، أملا فى إجبارها على القبول بمساومات، تم رفضها مسبقا.

أعتقد أن مظاهر التكاتف والتضامن الواسعة، من جانب قطاعات كثيرة فى مصر، كشفت عن وجه إيجابى للفاجعة، فبدلا من تكثيف الضغوط على النظام المصري، وفتح الباب لعواصف جديدة، حدث سباق عناوينه الرئيسية، الصمود، ولملمة الجراح، وتخفيف الأعباء، ومواجهة الأعداء،- من هنا يبدو اقتراحى السابق متسقا، مع هذه الثقافة التى تؤكد التحامنا وقت الملمات، كما أن هذه الخطوة تحمل جملة من الدلالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أيضا، ما يمكن أن تكون له تأثيرات كبيرة على المدى البعيد، لأنها تقطع طريق التفكير على كل من تسول له نفسه إحداث فتنة بين المصريين، أو العزف على أوتار المعاناة، لزيادة الشروخ الحياتية بين المواطنين.

الدروس والعبر التى قدمها التعامل مع الأزمة، وتوابعها السياحية والسياسية، متعددة ومتنوعة، وتستوجب الإمعان فيها، أهمها الإمساك بزمام المبادرة، فعندما سقطت الطائرة الروسية، كان من المهم التفكير فى ردات الفعل الدولية، ومحاولة استباقها، فمنذ اللحظة الأولى بدا الأمر مريبا، ثم توالت حلقات الريبة إلى أن تم إلحاق الأذى بواحد من المجالات الاقتصادية الرئيسية، الذى تؤدى أضرارها إلى إصابة قطاعات أخرى بالشلل، تتغذى على صناعة السياحة، التى يقتات منها ملايين المصريين، كان هناك اعتقاد أن يمتد غضبهم إلى صدور حكامهم، بالتالى فالتفكير فى حلول لتخفيف المعاناة عن العاملين هو بمثابة رسالة تطمين وحماية لهم، تبعد عنهم الهواجس والشكوك التى يحاول البعض بثها فى نفوسهم.

كما أن الحفاظ على هذه السبيكة، يثبت قوة الإرادة، ويضاعف من الصعوبات، إذا حاول البعض تخريبها، لأن العاملين فى السياحة، شريحة كبيرة تمثل جميع أطياف المجتمع، وأى تصورات وتصرفات إيجابية معها، سوف تكون لها مردودات مماثلة لدى الغالبية الكاسحة من المصريين، التى تعد الرهان الحقيقى فى مواجهة الرياح والأعاصير، القادمة من جهات مختلفة، ومن ثم تعد مساندة العاملين بمجال السياحة، رسالة جيدة تتجاوز الحدود الداخلية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف