انتهت جولة المفاوضات التاسعة التي عقدت بالقاهرة بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن سد النهضة دون أن تقدم جديداً.. وحتي دون أن تعطي أملاً في أن يكون المسار الذي نسير فيه منذ عامين ذا جدوي.. ومع ذلك يصر حسام مغازي وزير الري علي أنه حقق إنجازين مهمين خلال هذه الجولة.. ومن ثم فإن اجتماع القاهرة ـ حسب تقديره ـ حقق الهدف منه.
أما الإنجاز الأول فيتركز في أن مصر طرحت جميع شواغلها بشأن السد في مذكرة مكتوبة وسلمتها للجانب الإثيوبي.. خاصة أن معدلات تنفيذ بناء السد تسير بوتيرة متسارعة لا تضمن تنفيذ توصيات الدراسات الفنية عند الانتهاء منها.. وشددت علي ضرورة الالتزام باتفاق إعلان المبادئ خاصة فيما يتعلق بقواعد الملء الأولي والتشغيل.. وقد فضل الجانب الإثيوبي أن يرد علي مذكرة الشواغل هذه خلال اجتماع وزراء الري والخارجية في الدول الثلاثة الذي سيجمع بين المسار الفني والسياسي. وأما الإنجاز الثاني فيتعلق بالاتفاق علي عقد جولة عاشرة للمفاوضات في الخرطوم قبل نهاية الشهر الحالي للتوصل إلي اتفاق حول المكتبين الاستشاريين اللذين سيقومان بدراسة تأثيرات السد علي دولتي المصب.. مصر والسودان.. وسيكون الاجتماع مخصصاً لعرض النقاط الخلافية بين المكتبين الموجودين حالياً.. الفرنسي والهولندي.. في محاولة للتوافق بينهما أو اختيار بديل آخر.
وباعتراف وزير الري فإن المفاوضات لم تتطرق إلي تفاصيل سياسات تشغيل السد أو قواعد الملء.. مؤكداً: "كنا نتحدث عن أمور فنية ومبادئ ذكرت في اتفاقية المبادئ الموقعة بين الرؤساء". ومن حق الوزير أن يقول ما يشاء.. وأن يتصور أنه حقق إنجازاً أو إنجازين.. ومن واجبنا كمواطنين مراقبين ومتابعين أن ننبه إلي خطورة المسار الحالي.. مسار المفاوضات الفنية.. الذي لن يوصلنا إلي شيء.. وسيظل يدور بنا في خلافات وتوافقات ومماطلات في مسائل إجرائية وتنظيمية.. ويغرقنا في تفاصيل كثيرة ومتشعبة لاستهلاك الوقت دون أية نتيجة حتي نصطدم بلحظة الحقيقة.. لحظة اكتمال بناء السد وبداية تشغيله بينما الدراسات لم تكتمل.. وهنا سيكون من المستحيل واقعياً أن نفعل أي شئ أو نغير أي شئ تتضمنه توصيات تقدمها تلك الدراسات مهما كانت صحيحة وحيوية.. فقد سبق السيف العزل. والحقيقة التي يجب أن نواجه بها أنفسنا أن مفاوضات سد النهضة لم تغادر نقطة الانطلاق.. مازالت تجري في مكانها.. لم نتقدم خطوة واحدة للأمام.. وبينما عملية بناء السد تسابق الزمن فإن المفاوضات مازالت متعسرة في مرحلتها الأولي.. مرحلة الاتفاق علي المكاتب الاستشارية التي ستقوم بدراسة تأثيرات السد.. كل المماطلات والجولات التسعة علي مدي عامين لم تبرح هذه النقطة التي لو تم الاتفاق عليها فسيكون أمام المكاتب 11 شهراً لإنجاز الدراسات وتقديم التوصيات.. ثم تعقد اجتماعات أخري لبحث كيفية تنفيذ هذه التوصيات التي ستكون بلا فائدة لأن السد سيكون قد اكتمل. ويبدو أن اللجنة الوطنية المصرية لسد النهضة استشعرت الخطر أخيراً بعد التصريحات التي وغدغت بها مشاعرنا فذكرت علي لسان د.علاء يسن المتحدث الرسمي للمفاوضات ومستشار وزير الري أن مهامها تنحصر فقط في إجراء الدراسات.. وأن ملف السد يشارك في إدارته خبراء علي أعلي مستوي من الاحترافية والوطنية من وزارات الري والخارجية والتعاون الدولي وعدد من الأجهزة السيادية المعنية. وهكذا تتوزع المسئوليات فلا ينسب الفشل إلي جهة محددة.. وتغيب المحاسبة الجادة.. ونحن هنا لا نشكك في احترافية أو وطنية أحد.. وإنما ننبه فقط لعدم فاعلية مسار المفاوضات الحالي.. وضرورة البحث عن مسار آخر أكثر جدوي.. لابد أن يقلق الطرف الآخر مثلما نشعر نحن بالقلق والخوف علي مستقبل بلدنا. قولوا لإثيوبيا كلاماً جديداً حتي تعرف حقيقة ما بداخلنا.. المسألة ليست مجرد "شواغل" وإنما هي قضية حياة أو موت.. قضية شعب يشعر بالاختناق ومهدد بالعطش.. قولوا لإثيوبيا إن الكلام الجميل عن الأخوة والصداقة لم يعوضنا عن النيل.. وأن شعبنا غاضب وقد ينفجر.