التحرير
نبيل عمر
فريق رئاسى!
هذه واحدة من المرات النادرة فى تاريخ مصر، أن يحرض الشعب جيشه على الحرب، فالمصريون بطبعهم شعب مسالم وصبور وقانع، لكنه حين يغضب تنقلب سلميته إلى شراسة، وصبره إلى اندفاع، وقنوعه إلى هدير، وقد هلل كثيرا واصطف تماما خلف الرئيس عبد الفتاح السيسى فى فعله القوى والسريع ضد ما ارتكبته جماعة «داعش» من جريمة خسيسة، بسفك دماء ٢١ مصريا عزّل بدم بارد، والمسألة ليست ثأرا مرغوبا فيه فقط بغارات جوية على المجرمين، وإنما هى دفاع شرعى عن النفس والأرض، بعد أن صارت ليبيا مرتعا للإرهابيين والمتطرفين يهددون أمننا.

وكان جميلا أن يذهب الرئيس السيسى إلى الكاتدرائية، من باب المحبة لا العزاء، فالعزاء عزاء مصر كلها، ولو كان للرئيس فريق رئاسى رفيع المستوى، لتشاور مع الرئيس فى أمر العزاء، الزيارة مهمة وواجبة، لكن العزاء من حق الرئيس وحكومته قبل الكاتدرائية، فهؤلاء الشهداء (شهداء الجرى فى الغربة وراء لقمة العيش المراوغة) مصريون قلبًا وقالبًا، وليسوا مجرد مسيحيين، يجب أن يعزيهم رئيس الدولة، بل هو الذى يأخذ فيهم العزاء، كما أنه المسؤول تماما عن ثأرهم الذى أسرع به.

ولو كانت هذه حكومة تفهم فى السياسة، لأقامت سرادق عزاء شعبيًّا بجوار الأزهر، يستقبل فيه رئيس الوزراء وحكومته والبابا وشيخ الأزهر المعزين من كل طوائف الشعب، فالذين ماتوا فى ليبيا كانوا مصريين أولا، ينتمون إلى مصر بقدر ما ينتمون إلى دينهم، والجريمة التى ارتكبها داعش سياسية بالدرجة الأولى، وأراد أن يظهرها كما لو أنها جريمة دينية، حتى يزرع بيننا فتنة، وكان الرد الأصوب عليها أن يكون العزاء العام مصريا ووطنيا، وأن يكون العزاء الخاص بالصلوات والدعاء دينيًّا.

وبالطبع هذه التفاصيل الصغيرة قد لا تخطر على بال الرجل الكبير، فحجم التحديات التى تواجه مصر غير مسبوق فى تاريخها الحديث، تحديات بالجملة، متراكمة ومعقدة ومتشابكة فى وقت يحاول فيه العدو إنهاك الدولة وتبديد طاقاتها وإهدار مواردها، وحكم مصر فى هذه الفترة العصيبة مسألة صعبة جدا: أمنيا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، فكل حارة لا بد فيها عفريت، وكل نشاط مسكون بمشكلة، وكل عمل محاط بكذابى الزفّة، وعلى الرغم من هذا قد تكون تلك اللحظة التاريخية الحرجة هى فرصة مصر التى تنتظرها، لتنفض عن نفسها غبار التواكل والغفلة والكسل والإهمال، فالأوطان تعيد اكتشاف نفسها فى الأزمات الكبرى الخانقة، لأن الاختيار يكون ما بين الموت والحياة، القبر والشمس، والموت والقبر ليس لهما غير وجه واحد، أما الحياة والشمس فلهما ألف وجه، فما الوجه الذى سيختاره المصريون؟!

فى تلك اللحظات المعقدة الفارقة بين العتمة والنور، يأتى دور رجال قادرين على حمل المسؤولية دون مطامع ودون أهواء، رجال لديهم رؤية للمستقبل مختلفة عن الماضى، وفى عقولهم خريطة طريق تمضى عليها أوطانهم إلى الرقى والتقدم والحضارة، وإذا كنّا قد اخترنا الرئيس ليقود هذا الوطن فى تلك الفترة، فعليه أن ينتقى فريق الإنقاذ، وأعلم أنها مهمة عسيرة وقاسية، فالمعلومات عن الأشخاص غير كافية، وبعضها غير صحيح وتنكشف عند التكليف بالمهام، لكن هذه المهمة هى قدره ودوره، ومصر على الرغم من التجريف الإنسانى الذى ألمّ بها، ما زالت أسرارها مخبَّأة بين ضلوعها، وكفاءتها موجودة، ببعض الجهد والتفكير خارج الصندوق وبعيدا عن الأساليب القديمة يمكن العثور عليها!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف