الوطن
جمال عبد الجواد
طريقة بديلة لإدارة أزمة الطائرة وكل أزمة
الحكومة المصرية تتعاون بشكل كامل مع الجهات ذات الصلة بحادث سقوط الطائرة الروسية دون استبعاد لأى من الاحتمالات الممكنة لسبب الحادث، ومع هذا فإن النتائج السلبية للحادث ما زالت تتوالى. الطريقة التى تعامل بها الإعلام المصرى مع الموضوع، وردود الفعل والأخبار التى خرجت من مصر فى مرحلة مبكرة بعد الحادث أسهمت فى الوصول إلى هذه النتيجة. دعك من الإعلام وأثره، فهذه قضية يطول شرحها، ولكنى أشير إلى تصريح أصدره رئيس لجنة تحقيق حوادث الطيران بأن الطائرة الروسية خرجت من الأجواء المصرية وأنها تعبر الأجواء التركية، بالإضافة إلى ما تداوله الإعلام منسوباً لمصدر أمنى بعد ساعات من الحادث عن استبعاد احتمال الإسقاط العمدى للطائرة. إضافة إلى التأكيد المتكرر بأن التحقيق قد يستغرق شهوراً سمح للمتربصين بإعطاء إيحاء بأن السلطات المصرية لا تسعى للوصول إلى الحقيقة بقدر ما تسعى إلى نفى المسئولية عن نفسها.

ماذا لو كان الخطاب ورد الفعل الحكومى على حادث سقوط الطائرة الروسية يضم العناصر التالية: الحكومة المصرية تشعر بالأسف والحزن الشديد للضحايا الذين فقدوا أرواحهم فى الحادث الأليم. تعلن الحكومة المصرية التزامها بتوفير كل ما يلزم من تسهيلات لاستكمال التحقيق والتعرف على الأسباب التى أدت إلى هذه المأساة المروعة، وعن التزامها بالتعاون مع كل الجهات ذات الصلة بالحادث، فى نفس الوقت فإن الحكومة المصرية لن تنتظر اكتمال التحقيق حتى تتخذ الإجراءات المناسبة للتأكد من متانة إجراءات السلامة والأمن فى المطارات والأجواء المصرية، وأنها تتعامل مع كل سيناريو أو نظرية محتملة كما لو كنّا متأكدين من صحتها، وذلك ليس محاولة منا لاستباق نتائج التحقيق أو لترجيح أى تفسير لأسباب وقوع الحادث على أى تفسير آخر، وإنما سعياً من الحكومة المصرية لتوفير أقصى قدر من ضمان سلامة وأمن المسافرين والطائرات، وبناءً عليه فإن الحكومة المصرية قد شرعت فى القيام بالإجراءات التالية:

أولاً، المسح والتفتيش الدقيق للمناطق التى يحتمل ولو نظرياً استخدامها من جانب جماعات الإرهاب لتهديد سلامة الطائرات والمسافرين باستخدام المقذوفات الصاروخية أو غيرها من الوسائل المشابهة. ثانياً، مراجعة ورفع كفاءة إجراءات فحص الركاب والحقائب فى المطارات المصرية. ثالثاً، مراجعة وتطوير إجراءات الفحص والسلامة الفنية للطائرات التى تستخدم المطارات المصرية.

ميزة هذه الطريقة فى التعامل مع الأزمة هى أنها تقدم مصر فى صورة الدولة المعنية بشدة بأمن وسلامة المسافرين عبر مطاراتها، وأنها مستعدة فى هذا السبيل لاتخاذ أى إجراءات إضافية مهما كانت كُلفتها حتى لو لم يثبت وجود حاجة لها. إنها إجراءات احترازية تنسجم مع فهم الأمن باعتباره نشاطاً ذا طابع احترازى فى المقام الأول. فالإجراءات الأمنية الناجحة هى تلك التى تمنع وقوع الجريمة أكثر منها التى تمسك بالمجرم بعد ارتكاب جريمته.

هذه الطريقة فى التعامل مع الأزمة تجنب مصر الوقوع فى فخ الظهور بمظهر الدولة التى تحاول التهرب من المسئولية متذرعة فى سبيل ذلك بانتظار نتيجة تحقيق يمكنه أن يستغرق شهوراً وسنوات، دون أن تلزم مصر بقبول أى من النظريات الممكنة حول سبب سقوط الطائرة، وتؤكد الطبيعة الفنية للتحقيق الحالى، وتُبقى النقاش حول هذه القضية فى نطاق عمل المختصين واللجان المكلفة بذلك، متجنبة تحويلها إلى موضوع لصراعات السياسة وتحيزات الإعلام.

هذه الطريقة فى إدارة الأزمة كان يمكن لها أن تساعد مصر على تجنب قيام بعض الدول باتخاذ إجراءات أحادية لحظر استخدام طائراتها لمطارات مصرية. فحادثة سقوط الطائرة الروسية لم تكن هى السبب الذى أدى ببعض الحكومات لحظر استخدام الطيران التابع لها لمطارات مصرية، وإنما الذريعة التى تم الاستناد لها لفرض مثل هذا الحظر هى التخوف من وقوع حوادث إضافية بسبب ما سببته الحادثة من إثارة شكوك حول فعالية إجراءات الأمن والسلامة فى مطارات مصر. فقيام مصر بشكل طوعى بمراجعة وتعزيز إجراءات الأمن والسلامة فى كل المطارات المصرية كان له أن يقوض الذريعة التى تم استخدامها من جانب بعض الحكومات لاتخاذ إجراءات أضرت بالمصالح المصرية.

بالطبع فإنه لا توجد ضمانة بأن طريقة مختلفة فى التعامل مع الحادث كان لها أن تمنع تماماً اتخاذ إجراءات مثل تلك التى اتخذتها حكومات بريطانيا وروسيا وغيرهما، فالبعض فى هذه الحكومات له تخوفاته المبالغ فيها، والبعض الآخر يتحين الفرصة للإضرار بنا، والبعض الثالث ليس لديه ثقة كافية فى حكوماتنا وأجهزتنا الإدارية والأمنية، والبعض الرابع يتأثر بما تروجه جماعات الضغط التابعة لهذه الجهة أو تلك، والبعض الخامس مشغول بمصلحته السياسية الخاصة وسمعته بين مواطنيه ولا يريد أن يجد نفسه متهماً بالتقصير فى حماية مواطنيه بما يترتب على ذلك من حرج وإضعاف لموقفه فى مواجهة خصومه السياسيين. وبالتالى فإنه أياً كانت طريقتنا فى إدارة الأزمة فإن ذلك لم يكن ليصبح بالضرورة كافياً لمنع اتخاذ قرارات تضر بمصالحنا، ولكن المرجح هو أن طريقة مختلفة فى إدارة الأزمة يمكن لها أن تساعد فى تجنب بعض هذه القرارات، والمؤكد أن طريقة مختلفة فى إدارة الأزمة يمكن لها أن تسهل التراجع عن هذه القرارات فى وقت لاحق وبعد فترة قصيرة نسبياً.

توحيد الجهة المسئولة عن إصدار التصريحات، المسارعة بإعلان الموقف الرسمى قبل شيوع الأكاذيب والتخمينات، تأكيد المسئولية وليس تجنب تحملها، التأكد من الحقيقة قبل إطلاق التصريحات، فحص الادعاءات قبل المسارعة بنفيها، الاستباق الإيجابى وليس الاستباق الذى يبدو كالغلوشة، كلها عناصر لطريقة مختلفة أكثر فعالية فى إدارة أزمة الطائرة وما قد يأتى من أزمات.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف