المساء
مؤمن الهباء
فزاعة الاستثمار!!
مثلما استخدم "الإرهاب" فزاعة علي مدي سنوات طويلة مضت لتعطيل الديمقراطية والحريات يستخدم "الاستثمار" الآن فزاعة لتجنب أي قرار أو إجراء يمس رجال المال والأعمال.. خوفاً من أن يكون هذا القرار أو ذاك الإجراء سبباً في هروب المستثمرين الأجانب أو عدم مجيئهم إلينا.
نحن شعب فقير.. ولدينا من المشاكل والأزمات ما تنوء به الجبال الرواسي.. ويمثل الاستثمار المحلي والعربي والأجنبي بالنسبة لنا أحد الأبواب المهمة التي يأتي منها الفرج.. لكي يساهم المستثمرون في إقامة مشروعات إنتاجية تستوعب الشباب الباحث عن فرص عمل وتوفر للناس احتياجاتهم وتصدر الفائض.. مشروعات تنجح وتكسب وتتوسع وتدفع ما عليها من ضرائب للدولة لمعالجة عجز الميزانية العامة.. ومن هنا تأتي أهمية الاستثمار وضروراته.. لكن يجب ألا يتحول "الاستثمار" إلي فزاعة للتخويف من أي إجراءات قانونية تقدم عليها الدولة تحقيقاً للصالح العام.
ليس صحيحاً أن محاربة الفساد ومحاكمة المفسدين هي السبب في إحجام المستثمرين عن المجئ إلينا.. وليس صحيحاً أن القوانين والإجراءات التي تتخذها الدولة لضبط الأسعار ومواجهة جشع التجار وتحقيق العدالة الاجتماعية هي التي تحرم مصر من أموال المستثمرين.
الدولة القوية تطبق القانون بكل حزم وبكل عدالة علي جميع مواطنيها بلا تفرقة بين غني وفقير أو بين مسئول وغير مسئول.. وبذلك تضمن لنفسها الاستقرار والاستمرار.. والمستثمرون لا يأتون إلا إلي الدول المستقرة.. الدول التي لها نظام واضح.. ولا يغامرون بأموالهم في بلاد تعاني من التقلبات والانقسامات والصراعات الداخلية.
وبحسب الخبرات والتجارب صارت هناك مواصفات قياسية للدول الجاذبة للاستثمار والدول الطاردة.. ويقول المستثمرون إن "الكتالوج" معروف للجميع.. وأول بنوده وشروطه الديمقراطية والعدالة لضمان الاستقرار وتطبيق القانون واحترام الحريات العامة وأهمها حرية الصحافة والنقد وتوافر الشفافية والوضوح في التعامل من خلال قواعد معلنة.. وبذلك لاتكون هناك أية ثغرات لتفشي الفساد والرشوة والمعاملات التي تتم خارج القانون.
المستثمر الجاد يشم رائحة الفساد ويعرف حقيقة المناخ الذي يذهب إليه.. ولديه حاسة خاصة يدرك بها طبيعة النظام الذي يتعامل معه.. ولذلك فإن علينا أن نجتهد في تحسين المناخ وتحصينه ضد الفساد والرشوة وتحقيق الاستقرار المنشود.. وبالتالي سوف يأتي المستثمرون.. لا نتخوف ولا نتراجع عن تطبيق القانون واتخاذ الاجراءات التي نراها ضرورية لحماية الفئات الضعيفة والفقيرة بسبب فزاعة هروب الاستثمار.
لقد ارتفعت أسعار الكهرباء والمياه والغاز والبنزين واللحوم بما يشكل عبئاً رهيباً علي كاهل المواطن البسيط.. وفي المقابل توقفت كل الخطط التي استهدفت مساهمة رجال المال والأعمال في سد عجز الميزانية العامة للدولة.. فمن أجلهم تم تخفيض الحد الأقصي للضريبة من 30% إلي 5.22%.. وألغيت ضريبة أرباح البورصة.. وضريبة الـ 5% الاستثنائية علي الدخول الأكثر من مليون جنيه وزادت قيمة دعم الصادرات في الوقت الذي تم فيه تخفيض قيمة الدعم الموجه للفئات الفقيرة.
والعذر المعلن دائماً هو "فزاعة" الاستثمار والخوف من هروب المستثمرين.. وضرورة عدم المساس بمصالحهم.. في حين أن المستثمر الجاد بعيد النظر لابد أن يدرك أن حماية مصالحه تأتي من الاستقرار ورضا الأغلبية من محدودي الدخل.. وهو ما دفع بعض المستثمرين إلي اقتراح ضريبة الـ 5% الاستثنائية علي الدخول الأكثر من مليون جنيه لمدة 5 سنوات فقط.. لكن اقتراحهم ذهب أدراج الرياح بسبب "الفزاعة".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف