الأهرام
أحمد عبد التواب
هل يَخطف داعشُ الرئيسَ الفرنسى ؟
يصعب تصديق تصريحات كبار المسئولين فى أمريكا وتوابعها فى أوروبا عن أنهم ينوون بجدية مراجعة خططهم بخصوص مواجهة تهديد تنظيم داعش الإرهابى الذى أخذ فى التطور! كما لا يمكن الاطمئنان إلى مضمون كلامهم الأخير بعد الجريمة الإرهابية البشعة فى باريس الموجه إلى جماهيرهم والذى ينطوى على وعود بحسم أمر داعش، بل ينبغى الاحتياط ووضع هذا الكلام فى سياقات أخرى يتعمدون فيها الإيحاء المخادع عن تغيير جذرى فى سياستهم!
ذلك أن الحال الذى استقرت عليه سياسات الغرب فى منطقتنا هم الذين وضعوا له ركيزة أساسية منذ نحو القرن تعتمد على رعايتهم لتوجهات إسلامية متطرفة رأوا أنها تقوم تلقائياً بمهام تخريبية فى بلادها وضد سكانها يستفيد الغرب من نتائجها، كما أن قيادات وأئمة هؤلاء المتطرفين هم الأقرب للتنسيق مع الغرب عند الحاجة للتنسيق. ويكفى الحقائق التاريخية عن تأسيسهم ومباركتهم لنشأة جرثومة الإخوان المسلمين فى الجزيرة العربية عند تكوين المملكة العربية السعودية فى عشرينيات القرن الماضي، ثم نقلهم للمشروع إلى مصر ودعمهم أولى خطوات حسن البنا، حتى نصل إلى أيامنا حيث الإقرار بالصوت والصورة لهيلارى كلينتون فى إحدى لجان الكونجرس عن إنشائهم لتنظيم القاعدة لمحاربة السوفيت فى أفغانستان، ثم إلى التصريحات المريبة من كبار المسئولين الأمريكيين عن أن التصدى لداعش فى سوريا والعراق عمل معقد قد يستغرق أكثر من 02 عاماً! وهو ما يتطابق بالحرف مع التسريبات التى دخلت فى باب العلم العام.

وقد غاب عن واضعى هذه السياسة الشيطانية، منعدمى الضمير الإنساني، أن الأمر يخرج عن السيطرة كلما نزلتَ تحت المستويات القيادية للتنظيمات المتطرفة التى تعتمد الإرهاب، لأن الغالب على قواعدهم الإيمان القوى بما يفعلون، ويدخل فى صميم إيمانهم عداء للغرب الذى يصمونه بالكفر وبالتخطيط للنيل من الإسلام والمسلمين، كما يعتبرونه مصدر الرذيلة فى العالم..إلخ! من هذه الكوادر تنبت العمليات الإرهابية فى الغرب التى كان آخر تجلياتها فى باريس.

ولكن النخب الغربية المسيطرة لم يكن يهتزّ لها جفن طوال السنوات الأخيرة الماضية، وهم يرون تنظيم داعش، وقبله، ومعه، إرهابيون آخرون، يسفكون دماء الأبرياء فى هذه المنطقة من العالم، ويتفننون فى القتل بالحرق وبجز الرقاب، وينتهكون الكرامة الإنسانية بإقامة أسواق النخاسة لبيع السبايا، وفى فرض الجزية على غير المسلمين، وفى الاعتداء على التراث وتحطيم علامات الحضارات القديمة..إلخ! بل لقد كان هناك سعداء فى الغرب بما توفره هذه الجرائم من مادة تصلح للاستغلال ضد الإسلام والمسلمين، كما تفيد فى شحن جماهيرهم للاصطفاف وراء حزمة من السياسات يقال إنها تحمى مجتمعاتهم من هذه الهمجية، إضافة إلى المادة التهكمية التى ترحب بها تيارات فى الغرب تبحث عما يساعد على إشعال الكراهية ضد الإسلام والمسلمين.

إذا كان زعماء الغرب فوجئوا، كما يزعمون، بالإرهاب الذى ضرب باريس قبل أيام، فهذا خطؤهم الذى لا يُغتفر، والذى لابد لشعوبهم أن تحاسبهم عليه، خصوصاً بعد كل التحذيرات والنصائح المخلصة التى وجهها لهم مئات وآلاف من الكتاب والمفكرين العرب والمسلمين، ومن رؤساء وملوك ومسئولين فى الحكومات. كما أن هذه المفاجأة المزعومة تطال من تقدير كفاءتهم التى لم تحسن فهم وتقدير تبعات ما يرونه واضحاً جلياً على الهواء فى جوارهم القريب، من تخريب وتقتيل وتهديدات صريحة موجهة ضدهم!

بل إن مسئوليتهم تتضاعف، حتى مع استبعاد كل المعلومات التى تؤكد أن داعش وأخواته من صنيعتهم، لأنه يكفى أنهم لم يُبدوا جدية فى التعامل مع هذه الأخطار، حتى إذا كان خطؤهم هذا ناجما عن عدم فهم أو إهمال فى وجوب اتخاذ التدابير الجادة اللازمة، بل إنهم موّلوا ودعموا تنظيمات محلية ترفع شعارات حقوق الإنسان، كان كل دورها تعويق قيام المسئولين فى بلادنا فى التصدى للإرهابيين، بالمناداة بضرورة الالتزام بحقوق هؤلاء المجرمين وبسلامتهم البدنية والنفسية فىأثناء القبض عليهم وهم يرفعون السلاح المتطور ضد رموز الدولة، وضد المدنيين، وبوجوب توفير كل شروط المحاكمات المُستنزِفة التى تمتد لسنوات يهنأ فيها الإرهابيون بحريات عرض أفكارهم المسمومة، وبالحلم بإمكان الفرار، للعودة مجدداً إلى الإرهاب.

لاحِظ أن أجهزة الأمن الفرنسية قامت بتصفية كل من تمكنوا من اصطياده من الإرهابيين، دون مجرد التفكير فى سلامتهم ودون تفكير فى تسليمهم للعدالة، ولم يبق منهم أحياء إلا من لاذوا بالفرار. ولا ينبغى أن يكون هناك خلاف على ضرورة التصدى بهذه القوة فى مثل هذه المواقف، فى أى مكان فى العالم.

ولاحظ أيضاً أن الرئيس الفرنسى استدعى الجيش بعد دقائق من اشتعال الموقف، ولم يقل أحد إنه يُعسكِر المجتمع المدني، كما أنه فرض حالة الطوارئ التى تتيح إمكان حظر التجول والقبض على أى مشتبه. وكانت كل هذه الإجراءات مجالاً لدينا يرتع فيه كثير من مدّعى السهر على حقوق الإنسان المتغافلين عن حقوق عموم المواطنين ضحايا الإرهاب!

لقد تواترت أنباء لم تتأكد بعد، عن أن الإرهابيين فى جريمة باريس كانوا يستهدفون الرئيس أولاند، إما باغتياله أو بخطفه، وهو احتمال يعززه توجه عدد منهم إلى الاستاد الرياضى الذى كان الرئيس الفرنسى يشهد فيه مباراة كرة القدم! فهل يمكن لأحد أن يتخيل الحال إذا نجحت هذه الجريمة؟ وهل يجوز استبعاد أن تتكرر مرة أخرى فى فرنسا أو فى غيرها؟

لا يملك أى مهموم عن جد بحقوق الإنسان إلا أن يدين بأوضح العبارات وبأعلى صوت الجريمة الإرهابية فى باريس، والجرائم الإرهابية فى مصر، مثلما يدين كل إرهاب يضرب أى منطقة فى العالم، وأن يطالب بتوحيد الجهود فى العالم لمواجهة هى الأكثر قوة ضد كل من يرفع السلاح أو يلوح به أو يحضّ على استخدامه، وبالبحث فى تدابير عملية منها ما يحاسب أى مؤيد للإرهاب، مادياً أو معنوياً، كما ينبغى التضامن الفورى بكل السبل مع الدول والأفراد ضحايا الإرهاب، والقضاء على هذه الازدواجية التى تبدى كل تعاطف مع البعض، ثم فى حالات أخرى تتهم الضحية بالتراخى وترك الثغرات التى ينفذ منها الإرهابيون!

لا يمكن التعامل الجدى مع مزاعم الغرب بتغيير سياساتهم ضد الإرهاب قبل أن يتخذوا موقفاً واضحاً ضد أس الداء من القيادات الإخوانية المقيمين لديهم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف