السؤال تردد بإلحاح عبر سماعة التليفون المرفوعة. ومن الواضح أن الطرف الآخر الألماني شغوف بمعرفة الإجابة..
إنه السؤال الذي وجهه هتلر للجنرال النازي ديتريش شوليتز. الذي عينه محافظاً لباريس. إبان احتلال ألمانيا للعاصمة الفرنسية. علي أمل أن يكون قدر رصد إشارته. ولا يتردد في تنفيذ أوامره.
والأمر الذي صدر للجنرال هو: "احرق باريس". دمرها لو حاولت قوات التحالف الاقتراب منها. أو لونجحت المقاومة الفرنسية في إجلاء الجنود الألمان عنها.
الإجابة المقتضبة علي السؤال: لم تحترق باريس. المباني كما هي واقفة. وقد بدت المدينة من زاوية مرتفعة كما هي. ولم تدمر مثلما دمرت "وارسو" حسب رغبة هتلر.
لم يجرؤ العسكري النازي والذي رحل بالمناسبة عن عالمنا منذ فترة قريبة.. ولم يطاوعه حسه الحضاري أن يمحو رموزاً مثل برج إيفيل وكاتدرائية نوتردام. خصوصاً أن هزيمة هتلر بدت وشيكة. فهذا ما يقوله الفيلم.
لقد أنتجت السينما أفلاماً عديدة عن الاحتلال النازي لباريس. وعن الأدوار المختلفة التي لعبتها أطراف عديدة في تحقيق تحرير المدينة.
ترددت نفس الجملة "هل تحترق باريس". وأنا أتابع ليلة الجمعة الماضية. الحزينة جداً. إبان الهجمات الإرهابية المتزامنة التي أسقطت عشرات الضحايا في العاصمة الفرنسية.
تحول حدث تحرير باريس من قبضة الاحتلال النازي إبان الحرب الثانية وقبل سنة من انتهاء المعارك إلي فيلم مهم جداً إنتاج فرنسي ــ أمريكي مشترك. حيث كان لأمريكا بقيادة أيزنهاور دور ضمن قوات التحالف في تحرير المدينة.
عنوان الفيلم "هل تحترق باريس"؟!!.. وهو من إنتاج عام 1966. وإخراج المخرج الفرنسي الشهير. رينيه كلمانت. عن كتاب لكل من لاري كولينز. ودومنيك لابيير. وشارك في كتابة السيناريو اثنان من أشهر السينمائيين. وهما: جود فيدال. وفرانسيس فورد كوبولا.. واشترك في تمثيله عدد كبير من النجوم الفرنسيين والأمريكيين والألمان. وتنوع الحوار بين الفرنسية والإنجليزية والألمانية. ورشح الفيلم لجوائز الأوسكار كأحسن إخراج فني بالأبيض والأسود. وأحسن تصوير بالأبيض والأسود. وأحسن موسيقي.
اعتمد الفيلم علي المزج بين أجزاء تسجيلية وأخري روائية تعيد تمثيل ما حدث علي أرض الواقع. وتستخدم نفس الأماكن التي شهدت الأحداث. ونفس الشوارع.. الجزء الوحيد اللون خاص بمشهد لباريس من زاوية مرتفعة.
لم ولن تحترق باريس.. ولكن السؤال الذي شغلني وأنا أتابع تلك المشاهد الصادمة لمدينة النور. الذي انطفأ وهجها أمام مشاهد الدم. وجثث الضحايا: "هل ثمة فارق بين "النازية" التي تسببت في تدمير ملايين الضحايا علي امتداد العالم إبان الحرب العالمية الثانية "1939 - 1945" وبين جوهر ما يفعله "الدواعش" المسلحون بأدوات الجيوش النظامية المتقدمة. والمنتشرون بتركيز في المنطقة التي نعيش فيها؟!.. أليس الدواعش صناعة غربية؟!!
سؤال آخر: أليس ما نتابعه في هذه المرحلة المغطاة بالدماء والأشلاء البشرية يمثل فصلاً آخر من فصول توحش القوة البشرية وإنتاج فصائل إرهابية تلعب نفس الدور الذي لعبه "النازيون" ولعبة الأمريكيون عندما أعلنوا عن سلاحهم النووي الجديد بتدمير هيروشيما وناجازاكي في نهاية الحرب العالمية.. نفس الحرب التي شهدت محارق اليهود. وحرائق اليابان. وتدمير عواصم. وزرع ألغام في الصحاري. وتدشين حروب باردة. ثم حروب ساخنة هنا في العراق. وأفغانستان. وفلسطين. وسوريا. وليبيا. واليمن؟!!.. إلخ.. إلخ.
ألم تشعر بالسخرية المؤلمة وأنت تتابع ما جري في باريس. وتري في نفس الوقت "أوباما" يتوعد بجسارة. ويعد. ويعلق علي الحادث. بينما كل الذين علقوا علي الحدث نفسه في الإذاعات المرئية والمسموعة يعرفون أن الغرب وأمريكا هم من صنعوا الإرهاب. ومن مولوه. ومازالوا يفعلون؟!.. لقد أيدوا الإرهاب وساندوه. ورفضوا اعتباره إرهاباً. ووصفوا أفراداً منه بأنهم "مجاهدون".
إسرائيل صناعة غربية.. والإخوان صناعة غربية. وداعش صناعة غربية ــ أمريكية.. وما يدور فوق كوكب الأرض من تدمير بسبب إنتاج مصانع أغلبها غربية. حتي تلك التي أغارت علي مناطق متعددة في عاصمة فرنسا.. أسلحة من الغرب!!!
"هل تحترق باريس"؟!!.. لقد احترقت كنائس ومساجد ومدن. ومات عشرات من الجنود ورجال الشرطة في مصر. دون أن يهتز للمعسكر الغربي رمش.. وانهار برجا التجارة في نيويورك. وخرجت أفلام روائية وتسجيلية تشير إلي ضلوع أمريكا نفسها في صناعة الإرهاب. ومنها أفلام أمريكية.
لقد أصبح من الواضح لكل الناس حتي البسطاء أن الغرب بقيادة أمريكا. يقود حرباً عبر الإرهاب. وينفذ "سيناريو" نكاد نري فصوله واضحة.. فهل تحترق باريس ونيويورك ولندن. بعد القاهرة وبغداد وبيروت. ودمشق؟!!.. بعد أن ينقلب السحر علي الساحر؟!!