حسن المستكاوى
تمارين على الغضب والحكمة !
** أثق فى فوز المنتخب على تشاد، وقد سبق له الفوز بخمسه أهداف فى سبتمبر الماضى. والثقة سببها الفارق فى المستوى الفنى، وهو فارق ضارب فى الجذور. فالفرق الصغيرة يمكن أن تحقق مفاجآت لبعض الوقت، ولأقصر وقت، ولكنها لا تحقق مفاجأت طول الوقت ولأطول وقت. وكلما هبت علينا موجات الفزع من نتيجة مباراة، أعود وأذكركم بأن المنتخبات الكبيرة تلتهم غالبا البطولات الكبيرة. فلا فازت جزر القمر بكأس أفريقيا ولا فازت ميانمار بكأس آسيا، ولا فازت قازاخستان بكأس العالم!
** لكن، وآه من لكن تلك التى تجب ما قبلها وتلقيه فى اليم.. منذ فجر تاريخ كرة القدم فى مصر كانت وما زالت مباريات فرقنا ومنتخباتنا تمارين على الغضب والحكمة.. ولو عدتم بالذاكرة إلى كأس العالم فى إيطاليا عام 1934، وقرأتم الصحف، ستجدون فى نصوصها هذا التدريب الخاص، وهذا التبرير الخاص: «خسرنا بسبب الحكم، وخسرنا بسبب الجليد والمطر، وخسرنا بسبب البرد، وخسرنا بسبب أى شىء إلا نحن؟!».
** والخسارة أمام تشاد كانت تمرينا من تلك التدريبات، التى يفترض أنها جعلت لياقتنا الذهنية ممتازة، وصلبة، وقادرة على التحمل. ومن مميزات الشخصية المصرية، قدرتها الفائقة على التحمل. حتى الميداليات الأوليمبية حققنا معظمها فى لعبات قوة وتحمل، مصارعة، رفع أثقال، ملاكمة، وبعض الجودو، ولأننا حين نغضب من الخسارة نسخر، فقد علت موجات السخرية بعد مباراة تشاد، وكان ذلك من مظاهر الحزن والضيق، فكيف لا نتعلم أبدا، ولماذا كتب علينا فى «كتاب كرة الألم» أن ندخل فى حسابات لا تنتهى فى مباريات سهلة، وفى مناسبات أسهل. ولا أعتقد أننا مررنا بسلاسة من تصفيات أو نهائيات، إلا فى معجزة بطولات الأمم الثلاث.. فكل مباريات المنتخب وكثير من مباريات فرقنا، تبدو مثل عنق زجاجة، معقول؟ كل مباراة عنق زجاجة؟ لو كنتم لا تصدقون عودوا للصحف واقرأوا كم مرة تكرر هذا الأمر، حتى أصبحنا نحلم بزجاجة بدون عنق؟!
** على الرغم من ذلك أرجو أن تكون ثقتى فى محلها، وهى، عفوا، ثقة فى ضعف مستوى تشاد، أكثر مما هى ثقة فى قوة المنتخب بناء على العرض الذى قدمه فى تشاد، وعلى الفريق أن يثبت العكس وعلى لاعبيه إثبات العكس.. ولكن، وآه من لكن تلك.. أننا لا نتعلم أبدا.. ويبدو أن الأعمال بالنوات، ففجأة ظهرت مشكلة نوة المكنسة (بضم الميم )، وطرحت فكرة نقل المباراة من برج العرب، قبل يوم من موعدها مع أن موعد المكنسة معروف من ألف عام.. وجداول النوات متاحة لمن يفتح كتاب، ولمن يفتح صفحة، ولمن يفتح عليه ربنا، بفكرة التنظيم، والإعداد، والدراسة، ويلهمه الله سبحانه وتعالى مرة بالا يضع العربة قبل الحصان.. يا ربى لماذا نضع العربة قبل الحصان بينما الحصان يجب أن يوضع قبل العربة؟!
** موعد ندوة المكنسة هو 16 أو 17 نوفمبر من كل عام.. وتستمر 4 أو 5 أيام وهى شديدة المطر.. وقد تأتى النوة اليوم، وقد لا تأتى، إلا أن فكرة نقل المباراة قبل موعدها بيوم بسبب النوة، هو تمرين آخر من تدريبات الغضب والصبر والحكمة، حتى إننا على وشك أن نكون شعبا فيلسوفا؟!