الوطن
حسن ابو طالب
مصر ومخاطر اليوم التالى لسقوط سوريا
تشكل سوريا أولوية قصوى فى الحسابات الاستراتيجية المصرية بعيدة المدى الخاصة بإقليم الشرق الأوسط ككل خاصة فى شقه المشرقى، لا يهم هنا اسم الحاكم، بل المهم أن تكون هناك دولة قوية ومتماسكة يمكن أن تتحالف مع مصر حين الضرورة وأن تواجه وتصمد فى وجه المخاطر الآتية من حدودها الشمالية والجنوبية والغربية على وجه التحديد. وتلعب خبرة التاريخ منذ مئات السنين، وحتى قبل دولة محمد على الحديثة، دوراً رئيسياً فى صوغ هذه القناعة الراسخة لدى الدولة المصرية عامة ومؤسساتها الأمنية والدفاعية خاصة. ورغم التقلبات السياسية التى تمر بها علاقات مصر وسوريا فى فترات مختلفة، فإن القناعة الاستراتيجية آنفة الذكر ليست محلاً للنقاش، فالمهم هو بقاء الدولة السورية ومؤسساتها دون تقسيم ودون وقوع فى براثن منظمات مجهولة أو فى أيدى تنظيمات إرهابية أياً كان الوصف الذى تتدثر به، وبأى شكل كان. أما الخلافات السياسية العابرة فمصيرها دوماً إلى الاختفاء.

تتجلى هذه القناعة الاستراتيجية الآن فى أبهى صورها العملية، فالقاهرة، وبالرغم من انقطاع العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع دمشق، تؤكد ضرورة بقاء الدولة السورية ومؤسساتها وهياكلها وبقاءها موحدة، وأن يكون الحل السلمى القائم على التفاوض وفق بيان مؤتمر جنيف الأول هو الأساس للخروج من الأزمة والمعاناة التى يمر بها الشعب السورى، وتبدى القاهرة استعداداً للعب دور أكبر وصولاً إلى تسوية سياسية شاملة، وفى هذا الشأن تتواصل مع عدد من فصائل المعارضة السورية الوطنية المؤمنة بوحدة البلاد وحق شعبها فى حياة آمنة ومستقرة وكريمة لكى توحد جهودها ورؤاها تمهيداً لأى مفاوضات مع الحكومة السورية وفقاً لمبادئ جنيف. كما تتواصل ولو بشكل جزئى مع الدولة السورية ومؤسساتها الأمنية تحت مظلة مواجهة الجماعات الإرهابية العابرة للحدود.

هذه القناعة عبّر عنها الرئيس السيسى كثيراً فى لقاءاته الصحفية مع عدد من كبريات الصحف الأمريكية ووكالات الأنباء العالمية وفى كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية الشهر الماضى، رابطاً ذلك بضرورة مواجهة الإرهاب الذى يضرب دول المنطقة ساعياً بكل قوة إلى تقسيمها وتفتيتها وتشتيت شعوبها، ومقدماً بذلك أكبر خدمة لأعداء الأمتين العربية والإسلامية. وفى هذا السياق يمكن ملاحظة أن مصر لا تفرق بين ما يسمى قوى معارضة مسلحة معتدلة تستهدف إسقاط النظام السورى، وقوى وتنظيمات مسلحة إرهابية كداعش وجبهة النصرة. ففى الرؤية المصرية كلا النوعين تنظيمات إرهابية تستهدف الدولة والشعب السورى يجب مواجهتها بكل قوة. ومعروف أن تعبير القوى المعتدلة الذى تستخدمه السياسة الأمريكية وتوابعها فى المنطقة يشير إلى التنظيمات التى تسيطر عليها وتقوم بتسليحها وتدريبها وتمويلها كل من تركيا وقطر ودولة خليجية أخرى، بهدف إحلالها محل النظام السورى بالقوة المسلحة، ومنها تنظيمات كبيرة كالجيش السورى الحر، ومنها تنظيمات صغيرة ومحلية وذات روابط تنظيمية وثيقة بالقاعدة والنصرة وداعش أيضاً.

ومعروف أيضاً أن الرؤية المصرية تؤمن بأن اكتمال النجاح فى مواجهة الإرهاب فى الداخل، وفى سيناء على وجه التحديد، وذلك المقبل من الحدود الغربية مع ليبيا مرهون بشكل أو بآخر بالقضاء على كافة التنظيمات الإرهابية المسلحة من خلال التعاون الدولى والإقليمى واسع المدى وتحت مظلة الأمم المتحدة، وأيضاً من خلال التحركات مع القوى والدول المتفقة على هذا المبدأ. ولعل ذلك يفسر جزئياً تأييد مصر للضربات الجوية الروسية للتنظيمات الإرهابية فى سوريا، ويفسر أيضاً إلحاح القاهرة على ضرورة التعاون الدولى فى مواجهة الإرهاب بلا كلل أو ملل.

ولا يوجد أى غضاضة لدى القاهرة فى التأكيد على أن أولوية القضاء على الإرهاب فى سوريا سوف تحفز وتشجع المعارضة السورية الوطنية على الانخراط بشكل أكبر فى الجهود السياسية الدولية الرامية لحل سلمى للأزمة السورية، ذلك أن هذه المعارضة المدنية الوطنية تبدو ضعيفة التأثير مادام جزء كبير من الدعم الميدانى الدولى الغربى وخاصة الأمريكى وامتداداته الإقليمية والعربية يركز على ما يصفه بالمعارضة المعتدلة المسلحة التى قوامها جماعات دينية إخوانية وسلفية جهادية بالدرجة الأولى تتناقض كلية مع القوى السورية المدنية المعارضة.

هكذا تفكر القاهرة وتتحرك مدفوعة بالخوف والتحسب من مخاطر انهيار سوريا ووقوعها فى أيدى تنظيمات مسلحة تعمل لحساب قوى إقليمية ودولية تستهدف المنطقة ككل كما تستهدف مصر أيضاً. وهو ما أكده الرئيس السيسى بكل وضوح فى حواره مع الأسوشيتدبرس أثناء وجوده فى نيويورك 27 سبتمبر الماضى قائلاً: «نحن حريصون على بقاء سوريا موحدة وألا تُقسم إلى دويلات صغيرة، فسقوط سوريا سيعنى سقوط الأسلحة والعتاد فى أيادى الجماعات الإرهابية، مما يعرض المنطقة بأكملها للخطر، وهذا هو ما نخشاه».

القناعات المصرية وما يلحقها من تحركات وتقديرات للمخاطر المحتملة حال استمرار الأزمة السورية دون حل سياسى شامل، فضلاً عن الارتباطات المؤكدة بين الجماعات الإرهابية فى سوريا وفى مصر وليبيا وغيرهما تجعل ترحيب ومساندة القاهرة للضربات الجوية الروسية لكل التنظيمات الإرهابية فى سوريا أمراً طبيعياً للغاية. فالقدرات العسكرية الروسية من شأنها أن تعيد تنظيم الموقف على الأرض لصالح مبدأ بقاء الدولة السورية ومؤسساتها، وأن تحول دون تقسيم سوريا وأن تشجع الجهود الدولية وصولاً إلى حل سلمى وفق مبادئ «جنيف 1». وترى القاهرة أن جهود روسيا العسكرية تصب فى صالح الأهداف ذاتها التى شُكل من أجلها التحالف الدولى فى مواجهة داعش والقاعدة فى سوريا بقيادة الولايات المتحدة. ومعروف أن مصر طرف فى هذا التحالف الدولى لمواجهة الإرهاب مع أولوية القصاء عليه فى سيناء وكل الأراضى المصرية، وبالتالى فلا يوجد تناقض إطلاقاً بين الأمرين، بل نوع من التكامل العملى.

الوقوف مع سوريا الدولة والشعب هو الأولوية بالنسبة لمصر، ومن ثم لا يجب أن يتوقف عند جزئية مشاركة أو رحيل الرئيس بشار الأسد عند بحث المسار السلمى. ومن الناحية العملية البحتة فإن مصير الرئيس السورى هو مسئولية الشعب السورى نفسه، وبالتالى فهو جزء من التفاوض كما تعتقد القاهرة وليس شرطاً مسبقاً له كما ترى الولايات المتحدة وتركيا وتوابعهما فى المنطقة. وتلك بدورها نقطة توافق أخرى بين القاهرة وموسكو تصب فى إمكانية قبول دور للأسد، ولو مرحلى، فى أى تسوية تحمى سوريا من التقسيم وتفتح لشعبها أبواب الأمل، كما تحمى المنطقة ككل بما فيها دول خليجية كبرى وصغرى من التعرض لخرائط تقسيم معروف للكافة من يرسمها ومن يسعى لتنفيذها بكل صلف وتجبر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف