في هذه الأيام ينشغل العالم كله بالتفجيرات التي هزت باريس والتي هزت بيروت بعد انشغاله بحادث الطائرة الروسية التي سقط في مصر، ونعلم يقينا أن الإسلام جعل للدماء حرمة حتى ولو كان أصحابها غير مسلمين إلا أننا نفاجأ بأن العالم الغربي وأذنابه ينعى على الإسلام وأهله هذه الأحداث!!
أَوَ لا يقف هذا العالم الغربي المخدوع وزبانيته في كل مكان وقفةً صادقةً مع أنفسهم ليسألوا أنفسهم سؤالا: متى كان المسلمون مخربين للبدان سفاكين للدماء؟ اسألوا التاريخ عمن قتلتموهم في القدس عند دخولكم إياها، وعما فعله صلاح الدين القائد المسلم لما حررها من بطشكم.
إن داعش ومثيلاتها صناعة غربية أمريكية، إن لم تكن بالفعل فبرد الفعل، فسياسات الغرب العوراء التي تكيل بمكيالين تجاه العرب والمسلمين، وتقف حيث المصلحة الغربية فقط، هي التي ولدت هذه الحوادث وتلك الجرائم، فنقول لزعماء هذا العالم المستعمر الغاصب: تحرقون العالم كله بناركم ثم تنوحون على قتلاكم أنتم فقط؟!! ما هذا الظلم وما تلك السياسة العوراء؟
تسببتم في سقوط القتلى بالآلاف في العراق وأفغانستان وسوريا وفلسطين والصوماء وبورما واليمن وشتى بقاع العالم العربي والإسلامي، ولم نسمع لكم نواحًا ولا صريخا ولا هرولةً كهذه التي نسمعها اليوم، لا تلوموا مَنْ ارتكبوا هذه الحوادث –مع تجريمنا لهذا الفعل شرعًا وقانونًا- بل لوموا أنفسكم والتزموا الحيدة والعدل، فبالعدل تُحمى الأوطانُ والحرماتُ، أما الظلم والبطش والجور فلا يحمي أحدًا.
أما عن الإسلام وأهله وحرمة الدماء فيه فاسمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض"، وقوله "ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا..."، فأن يقتل أبرياء، دمهم معصوم، فهذا أمر لا يقبله دين ولا عقل، وينبغي على أولي الأمر والإعلام التثبُّتُ وعدمُ التسرع في إلقاء التهم جزافًا دونما تحقيقٍ وتثبت، فما أحوجنا إلى ضبط إيقاع الأخبار، وعدم نشر الشائعات التي تزلزل الأوطان وتخرب البلدان، وليتق الله الأُجراء الذين يروجون الكلام بلا ضابط، فليكفوا وليعلموا أنهم مسئولون عما تلفظه شفاههم من كلام.
فيا من سوّلت لهم نفوسهم التحريض على القتل أو التخريب تحت أي مسمى، ماذا أنتم فاعلون أمام الله تعالى وقد رأيتم النصوص الشرعية تحذر من القتل والتخريب، فلنفق ولا داعي للعصبية ولنعد إلى الله وليضع كل منا يده في يد أخيه كي نصلح بلادنا، ولا نسمع لهذا أو ذاك، فالأعداء كثر يريدون لمصر أن تتفرق وأن تتراجع فهل يحق لأبنائها أن يعاونوهم على ذلك؟!
من المعلوم من الدين بالضرورة وتواترتْ به الأدلة من الكتاب والسنة، حُرمة دم المسلم؛ فإنَّ المسلم معصوم الدم والمال، لا تُرفعُ عنه هذه العصمة إلاّ بإحدى ثلاث؛ حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يَحلُّ دمُ امرىءٍ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث: كَفَرَ بعدَ إسلامهِ، أو زَنَى بعد إحصانهِ، أو قَتَلَ نفساً بغير نفس"، وما عدا ذلك، فحرمة المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة، بل من الدنيا أجمع. وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا" [النسائي]، وهذا الحديث وحده يكفي لبيان عظيم حرمة دم المسلم، ثم تذكر ماذا سيكون موقفك عند الله يوم القيامة إنْ أنت وقعت في دم حرام، نسأل الله السلامة.
لا بد لنا أنَّ نعلم أن أول ما يُقضَى يوم القيامة بين العباد في الدماء، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أولُ ما يُحاسَبُ به العبدُ الصلاةُ، وأولُ ما يُقضَى بينَ الناسِ الدماءُ" وما ذلك إلا لعظم خطرها يوم القيامة فاستعد للموقف العظيم، والسؤال الصعب الذي ما بعده إلا جنة أو نار. وكل الذنوب يُرجَى معها العفو والصفح إلاّ الشرك، ومظالم العباد. ولا رَيبَ أنَّ سَفْكَ دماء المسلمين وهَتْكَ حرماتهم لَمِنْ أعظم المظالم في حق العباد.
وكذلك دم غير المسلم من أهل الذمة معصوم أيضًا أمرنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بحفظه، وكذلك إحسان جوراهم وعدم الاعتداء عليهم ما داموا لم يحاربونا في ديننا.
فلا بد لنا أن نعلم أن الدم كله حرام، سواء كان صاحبه مسلمًا كان أو غير مسلم، فالقتل ليس هو الحل بل إنه يؤجج الخلافات ويؤدي إلى خراب البلاد ويصنع الإرهاب، ونعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.