جمال زهران
الإرهاب صناعة مخابراتية.. وأداة لإعادة تشكيل المنطقة
منذ السبعينيات.. والإرهاب ينمو ويترعرع بإرادة مخابراتية من كارلوس، وحتى بن لادن والظواهرى وأخيرا داعش والبغدادي، وكل ما حدث من وقائع على الأرض كانت بترتيب مخابراتى ومحسوب بدقة تطوراتها وتداعياتها. فمن كان يظن أن ترتيب «الطالبان» فى باكستان لتحرير أفغانستان من التدخل السوفيتى بنهاية عام 1979م، والدفع بها بعد تدريبها فى بيتشاور وإعدادها للمقاومة لطرد السوفيت ثم حكم أفغانستان، أن تكون بداية لمشكلة كبرى تداعت عنها مشاكل لا حصر لها. فقد وصلت إلى حد الأعمال الإرهابية خلال الأيام الماضية فى فرنسا، راح ضحيتها نحو (200) مواطن، وجرحى بالمئات وهى آخر هذه الأعمال, هل يعلم أن التعبئة للدعم الظاهرى للمقاومة فى أفغانستان، خلفت أجيالا من الإرهابيين بعضهم عاد إلى بلاده، وتظاهر بالاقلاع عن الطريق، ورحل بعضهم لرئاسة بعض الأحزاب المتأسلمة فى مصر حتى الآن، وجميعهم خلايا خفية ستنقض على المجتمع فى الوقت الذين يرونه بالتنسيق مع الذين يدعمونهم ويوظفونهم لتحقيق المشروعات الاستثمارية الجديدة.
وقد كتبت مقالا هنا منذ أكثر من عشرين سنة، بعنوان: الإرهاب أداة للسياسة الخارجية للدول الكبري، رصدت فيه ما كان يحدث منذ أكثر من ربع قرن، وتوقعت فيه أن الإرهاب بعد أفول النظام العالمى ثنائى القطبية سيكون إداة لإعادة رسم وتشكيل النظم الاقليمية فى العالم تحقيقا لمصالح الدول الغربية الكبري، وفى مقدمتها الولايات المتحدة راعية الإرهاب الكبرى فى العالم.
وقد عايشت عن قرب حيث كنت أستاذا زائرا فى الولايات المتحدة خلال أحداث 11 سبتمبر 2001م، وكتبت مقالا نشر فى نصف صفحة بالأهرام بعنوان «دور اللوبى اليهودى فى أحداث 11 سبتمبر»، وشرحت فيه أن هذه الأحداث مرتبة ومعروفة مسبقا لليهود، وأنها صناعة مخابراتية، وأنه لا وجود لما يسمى تنظيم القاعدة، وهمس لى بعض الزملاء، بالقول: «يبدو عليك أنك لن تعود لمصر سالما!!».
وتابعت الموضوع، وكتابات عديدة، وتأكدت بما لا يدع مجالا للشك، أن الإرهاب هو أحدث أدوات السياسة الخارجية للدول الكبرى فى مقدمتها الولايات المتحدة، وتحت رعايتها، وأنه لا يوجد ما يسمى تنظيم القاعدة الذى سلم الظواهرى خليفة بن لادن القيادة بعد ضمه إلى البغدادى (زعيم داعش)!! كما أن قناة الجزيرة هى الذراع الإعلامية للإرهاب بعد أن كنا نظنها قناة اعلامية تسمح بالرأى والرأى الآخر، فكانت خداعا اكتشف مؤخرا وكانت أداة للتطبيع مع اسرائيل، وهناك قنوات أتابعها الآن لكشف حقيقتها مثل الجزيرة ومتخفية وترعاها دول كبرى فى مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا تحديدا.
وقد كانت أحداث 11 سبتمبر منسوبة إلى تنظيم وهمى مخابراتى يدعى (القاعدة) لا يهم العرب أنهم قادرون على محاربة أمريكا وفعل شيء ما، إلا أن هذا الفعل هو فعل ارهابى يستحقون العقاب عليه واخضاعهم واذلالهم لأنهم ان فعلوا يصنعون الفشل الذريع وها هى المنطقة العربية تدفع ثمنا لعمل وهمى لا علاقة لشعوبها به منذ 2001م، بداية من الغزو الأمريكى لأفغانستان على سبيل التموين، ثم الانطلاق لغزو العراق 2003م بذرائع كاذبة وتأكد ذلك تماما، بهدف تدمير هذه القوة تماما، ثم التدمير المنظم للنظم القوية والمعادية لإسرائيل فى مقدمتها سوريا، ثم مصر، وتنفيذ مشروع التفتيت ليصل عدد الدول العربية إلى نحو (50) دولة وقد كانت الآلية لتنفيذ المخطط التفتيتي، تكمن فى الدفع بالمتأسلمين إلى صدارة المشهد توظيفا لثورات الشعب العربى فى تونس ومصر وليبيا واليمن، ليصبحوا الأدوات الرسمية لترجمة حقيقة الأهداف الخفية للدول الاستعمارية الكبرى الغربية فى المنطقة العربية فى هذا السياق، كان المشروع الإخوانى الذى اكتشف أنه ارهابى والمشروع البغدادى فى العراق وسوريا (داعش) وأتضح أنه «ارهابي» وهؤلاء أطلقت يدهم فى ليبيا ومصر وسوريا والعراق واليمن، الخطوة للتحرك نحو بقية المنطقة العربية، الأمر الذى دفع بروسيا لإدراك المخاطر عليها وعلى مصالحها وعلى نفوذها الذى يتعرض للتآكل فى المنطقة، ان تحركت بسرعة وقررت التدخل العسكرى المباشر لضرب الإرهاب بجدية على عكس المواجهة الشكلية من التحالف الدولى بقيادة أمريكا، وأصبحت المنطقة فى حزام الإرهاب المصنوع مخابراتيا لإعادة تشكيل المنطقة فى اطار حقبة استعمارية غريبة جديدة تم تدشينها عقب حرب أكتوبر 1973 لاجهاض الإرادة الذاتية للعرب بعبور عظيم وتوظيف سياسى لسلاح البترول لأول مرة وآخرها للأسف، ثم الدخول لمرحلة التبعية السياسية لأمريكا والغرب حتى تفجرت الشعوب العربية والحادث احتواؤها وتوظيفها لتنفيذ المشروع الاستعمارى الجديد.
ولن أنسى ما قاله لى أحد المسئولين الروس الكبار فى زيارة الوفد الشعبى المصرى لموسكو أن مصر بفعل 30 يونيو 2013م أنقذت العالم من مخطط ارهابى كبير، فهل نحن واعون بما يحدث وسيحدث ؟! أردت أن أدق جرس الانذار.. وأطالب روسيا بالتراجع عن خطواتها الأخيرة تجاه مصر فى اطار التشارك لمواجهة الإرهاب. ومازال الحوار متصلا.