المساء
محمد جبريل
هذا الحب القاسي
في أحد مقالاته. أعلن الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش رفضه لما سماه الحب القاسي في حب الوطن!
والحق أن الحب ليس مجرد ترديد كلمات جميلة ليس مجرد بذل وعود. قد لا تتحقق. إنما الحب تصرفات تعكس حالة الحب أتفق في ذلك تماما مع أحمد بهاء الدين. بل لعلي أجعل من بهاء وسواه من الذين جعلوا مصر داخلهم. مثلا لما أكتبه. أو أقوله.
أقول: أتفق في ذلك مع بهاء. فهو يري أن كثرة التغني بحب مصر ظاهرة مرضية. لأن حب الوطن لا يحتاج إلي إثبات في كل لحظة. ¢المصرية¢ هي الانتماء لشعب مصر. لا بالتسلق علي أكتافه والاستهتار بآلامه. والمتاجرة بمعاناته. ثم التلويح بالأعلام والهتاف الأجوف باسم مصر. الوطنية هي حب الوطن من خلال حب المواطنين لا من خلال تقديس الفرعون الذي يقسم المناصب والأرزاق. ومن ثم فهو يرفض مقولة المستبد العادل. لأن المستبد العادل والمستبد المجنون كلاهما مستبد. بل إن المستبد المجنون خطبه أهون وأيسر. لأن استبداده أقصر!
ويرفض كذلك هؤلاء الذين يكتفون بحب مصر علي أمواج الإذاعة وشاشات التليفزيون. والأناشيد الغنائية. والمقالات الغرامية. إننا فقط نريد من هؤلاء أن يحبوا مصر في غير التمثيليات والخطب والمقالات والأناشيد. نريدهم أن يحبوا مصر بأن يحبوا شعبها. فهذا هو الحب الأصيل. وليس مجرد حبها لظلها الظليل. وأن يحبوا شعبها. هو أن يكافحوا لكي يتعلم الطفل المصري أحسن. ويعمل المواطن المصري أحسن. ويجدد مرافق حياته التي صارت بدائية. كمواسير المياه والمجاري والمواصلات العامة والشوارع المدمرة. الوطنية اليوم بالممارسة. لا بالأغنيات والأناشيد والمهرجانات.
إن تاريخ هذا الشعب يجب أن يكتب. وبأدق التفاصيل. لا لمجرد المباهاة. ولا لتمجيد الأبطال. فقد أدوا واجبهم. ودفعوا أرواحهم. ومضوا.. لكن الهدف من كتابة التاريخ هو أن تعود إلي هذا الشعب ثقته بنفسه. وليسكت الذين مازالوا يؤمنون بأن هذا الشعب خامل. خانع لا يمكن أن يثور. لا يمكن أن يستفزه طغيان. أو ينتظمه كفاح.
أما محاولة إسقاط الماضي. والثورة الشاملة عليه. فبالإضافة إلي استحالة تحقيق ذلك عمليا. فإنه عمل غير منتج. لأن الحضارات تواصل. ليس في الجوانب الفلسفية والفكرية وحدها. وإنما في الجوانب المادية والتطبيقية أيضا وعلي سبيل المثال. فإن اختراع الدبابة يجد بدايته في اختراع الفراعنة للعربة الحربية. والنظريات الرياضية الحديثة تعود جذورها إلي اكتشافات علماء العرب في الرياضيات والفلك إلخ.
مع ذلك. فإن الخطر علي حاضر الأمة ومستقبلها في الهرب إلي الماضي. والاستكانة إلي القديم. فلا يمكن لمجتمع يريد الحياة أن يرجع كليا إلي الوراء. بل إن الأمة التي كان لها حضارة عظيمة. وتاريخ مجيد. هي التي يجب أن تكون أسرع في اليقظة من غفوتها. والتخلص من عوامل التخلف. والانطلاق إلي التقدم.
إلغاء التاريخ عبث. والسكني بين مقابره وآثاره انتحار. ولابد من الإسراع بايجاد صيغة تجمع بين القدرة علي استيعاب التراث ومواجهة المستقبل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف