الأخبار
د.محمد مختار جمعه
روح الفريق وحرفية المؤتمرات

لا شك أن الإنسان الذي يعد نفسه محور الكون وبؤرة الأحداث وحده لم يخلق ولن يخلق، ولا بديل أمامنا من أن نعمل معاً بروح الفريق، وأن نتسامي عن جميع الأغراض الشخصية والنفعية والأنانية، وأن نؤثر المصلحة العامة في كل مجال علي المصلحة الخاصة أو الشخصية، فالقاعدة أن الأعم نفعاً مقدم علي الأخص.
علي أن هذا الأمر يحتاج إلي ثقافة وتدريب وتثقيف مستمر يبدأ منذ المراحل التعليمية الأولي والمبكرة من مرحلة الروضة إلي المرحلة الابتدائية وما يتبعها وصولا إلي المرحلة الجامعية وما قد يلحق بها، مع دعم أسري مستمر لروح الفريق والعمل الجماعي داخل الأسرة.
وقد دعا الإسلام إلي هذه الروح وحث علي التعاون والتكامل والتضافر لخدمة الدين والوطن والإنسانية، حيث يقول الحق (سبحانه وتعالي) في كتابه العزيز : « وَتَعَاوَنُواْ عَلَي الْبرِّ وَالتَّقْوَي وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ «، ويقول نبينا (صلي الله عليه وسلم ) : « المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ « في إشارة وكناية واضحة عن ضرورة التلاحم والتماسك، ويقول (صلي الله عليه وسلم ) : «مثَلُ المؤمنين فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهم مَثَلُ الْجَسَدِ، إذَا اشْتَكَي مِنْهً عُضْوٌ تَدَاعَي لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بالسَّهر وَالحُمَّي «.
وأستطيع أن أقول إن روح الفريق هي التي أسهمت في نجاح مؤتمرنا الأخير «رؤية الأئمة والدعاة لتجديد الخطاب الديني وتفكيك الفكر المتطرف «هذا النجاح الذي ألقي بظلاله علي جميع الضيوف والمشاركين، حيث تضافرت جهود وزارات السياحة، والشباب والرياضة، والطيران، والآثار، ومحافظة الأقصر، وكثير من وسائل الإعلام ومن السادة الإعلاميين، مع جهود وزارة الأوقاف والمجلس الأعلي للشئون الإسلامية لإنجاح هذا المؤتمر، حيث عمل الجميع من منطلق وإحساس وطني، وكان جميع المشاركين حريصين علي إبراز الوجه الحضاري لمصر، والإسهام في تفكيك الفكر المتطرف، إيمانا منهم جميعاً بخطورة التطرف والإرهاب، وأنه لا سبيل للقضاء عليه واجتثاثه من جذوره إلا بمزيد من التعاون والتكاتف، خدمة لديننا من أن يشوهه الضالون المنحرفون من الجهلة والمأجورين والمستأجرين والخونة والعملاء وغير المؤهلين وغير المتخصصين في الشأن الديني أو الخطاب الديني، وحرصا علي وطننا من أن تتخطفه أيدي المتشددين والمتطرفين ودعاة الفوضي المتربصين بنا من أعداء أمتنا الذين يعملون علي تفكيك بنيانها وإثارة الفوضي في جنباتها حتي يتمكنوا من السيطرة علي خيراتها ومقدراتها.
ونؤكد أن أي دعوة للفوضي وهدم الأوطان أو الإفساد فيها أو تعطيل مسيرتها إنما هي جريمة شرعية وخيانة وطنية، وبخاصة أننا نخوض حربا ضروسا ضد العناصر والتنظيمات الإرهابية المدفوعة دفعا لضرب استقرار الوطن والمنطقة، مما يتطلب من كل عاقل العمل علي تفويت الفرصة علي أعداء الوطن من الوصول إلي حالة الفوضي التي حلت ببعض دول المنطقة، فشردت أبناءها، وهدمت بنايتها، وخربت العامر منها، وأروني أي دولة سقطت فقامت أو يرجي لها قيام في القريب العاجل، علي أن كل ذلك إنما يصب لصالح قوي الاستمعار من جهة وصالح العدو الصهيوني الذي ازداد فجوراً وغطرسة من جهة أخري مستغلا الظروف التي تمر بها المنطقة، محاولا تنفيذ مخططاته وأطماعه تجاه أقصانا الشريف.. وإذا كانت الشدائد تجمع ولا تفرق فإن علي كل مخلص لدينه مخلص لوطنه أن يؤثر مصلحة الوطن علي جميع المصالح الزائلة، وأن يدرك أن الحفاظ علي مصر قوية أبيّة هو واجب وطني وشرعي وقومي لأن مصر هي القلب النابض للعروبة والإسلام.
وعندما ننظر في المؤتمرات الثلاثة التي أقامتها أخبار اليوم سواء المؤتمر الاقتصادي الأول أم المؤتمر الاقتصادي الثاني، أم مؤتمر دعم السياحة الأخير، نجد الروح الوطنية وروح الفريق ماثلتين وبقوة في هذه المؤتمرات، وإن شئت فقل إن هذه الروح هي سر نجاح هذه المؤتمرات، مع أهمية تناول موضوع السياحة لأنه لم يعد مجرد أمر ترفيهي، فالسياحة إنما هي صناعة وجزء مهم من مقوماتنا الاقتصادية، وتحتاج إلي تضافر الجهود للنهوض بها، ومن أهمها ثقافة التعامل مع السائح، إذ يجب أن يدرك الجميع أن حماية جميع السياح وإكرامهم وحسن معاملتهم والحفاظ علي أرواحهم وأعراضهم وأموالهم إنما هو واجب شرعي ووطني، لأنهم دخلوا بلادنا بعهد وذمة وأمان، فتأشيرة الدخول التي تمنح للسائح أو حتي مجرد ختم الدخول إنما هو بمثابة عقد وذمة بين الدولة وبين من يدخلها، سواء أكان سائحا أم غير سائح، مما يستوجب حمايته حماية كاملة كحماية أبناء الوطن جميعاً، بل وأشد من ذلك لأنه بمثابة الضيف، وحق الضيف أن يكرم، وأن نريه من أنفسنا أحسن الأخلاق والتصرفات، فلا يُستغل ولا يبتز، ولا يهان بأي لون من ألوان الإهانة أو التعريض أو الامتعاض، فحضارتنا السمحة علمتنا أن نقول للناس جميعاً الكلمة الطيبة، حيث يقول الحق سبحانه : « وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً «، فيجب أن نقول القول الحسن ليس للمسلمين وحدهم ولا للمؤمنين وحدهم، إنما للناس كل الناس، وبلا أي استثناءات، وعلينا أن ندرك أن الإسلام انتشر في أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، وهي دولة أندونيسيا علي أيدي مجموعة من التجار الذين عرفوا بصدقهم وأمانتهم وحسن تعاملهم وحسن أخلاقهم. علي أن تناول هذه الموضوعات الجادة يأتي في عمق الرسالة الوطنية للإعلام الجاد والمؤسسات الوطنية الجادة، التي تبحث ليس عن مجرد الخبر لتنقله، إنما تعمل علي صنع الأخبار الجادة، والإسهام في العمل علي وضع حلول للقضايا الوطنية، فتحدث نقلة من مجرد نقل الخبر إلي صنع الخبر والإسهام في معالجة المشكلات، والتحول نحو الثقافة الجادة الشاملة في المجالات المختلفة، وملء الساحة الفكرية بما هو جيد ومفيد ومثمر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف