الأخبار
محمد الأصمعى
ميت يودع ميتاً
« بيت مكون من أب وأم وولدين وسبع بنات ، يلتفون حول الطبلية عند الأكل ..لا يأكل أبي دون أن يسأل عن كل منا ، وتنادي أمي - رحمها الله - علينا بالاسم ثم يقوم هو بعدنا يحملني أبي فوق كتفيه وهو يردد كلمات من أغاني التراث» شريط طويل من الذكريات يمر بخيالي في اللحظات التي فارق فيها الحياة عندما نكتب عن الأحباب الذين فارقونا تتزاحم الحروف وتضيع العبارات ، ولا نعرف علي وجه التحديد أي نقطة نبدأ منها الكتابة أو بالأحري مشهد النهاية السبت الماضي كان كل شيء ينبئ أن أمراً ما سيحدث .. كل شيء كان غير مألوف ، كل الشواهد تشير إلي أن وفاة أبي قد حانت ، فمثلما يأتي المطر ، ومثلما تهتز أغصان الشجر يأتي الموت بمقدمات أو دون مقدمات ولا يفرق بين صغير أو كبير.. في أصعب الظروف كان هناك خيط ما يربط أبي بالحياة فهو العنيد مع المرض المتمرد علي الآلام مهما كانت قسوتها كأنني أنا الذي أحتضر وهم يلقنونني الشهادة هنا يتوقف القلب عن النبض وتعلن ساعة الرحيل نطقها أحدهم (إنا لله وإنا إليه راجعون).. شعرت وقتها أنني كريشة تتهاوي وسط أمواج عاتية .. انهمرت الدموع الصامتة دونما استئذان ،قبل أن يدخل القبر تشبثت بقدميه كما الطفل .. أبي كان رقيقاً كما النسمة ، هادراً كموج البحر قوياً عنيفاً كما الإعصار .. الآن تزوج الأبناء والبنات ، سافر من سافر وماتت إحدي شقيقاتي في حياتي والديها ولم يبق أي فرد في البيت الذي كان يسكنه 11 شخصاً لكنه لن يغلق ، « فالطبلية » التي كنا نلتف حولها مع أبي ستظل معنا ولن يغلق البيت حتي لو أقفلت أبوابه إلي ما شاء الله .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف