أقامت جمعية نقاد السينما المصريين ندوة تكريمية لهاشم النحاس. في مركز الحضارة بدار الأوبرا المصرية، ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ 37، أشرف عليها محسن ويفي. وأدارها فوزي سليمان. دعاني هاشم النحاس لحضورها. ومن شدة تواضعه وإنكار ذاته لم يذكر لي كلمة عن التكريم. ولكنه قال لي إن فيلمين من أفلامه التسجيلية سيعرضان. أحدهما فيلمه الخالد: النيل أرزاق.
شاهدت معظم إن لم يكن كل الأفلام التسجيلية التي أخرجها هاشم النحاس في مناسبات مختلفة. ومع هذا ذهبت في الموعد الذي حدده لي لأدخل لأول مرة مركز الحضارة بدار الأوبرا. ولأجد جمعاً من الأحباء والأصدقاء الذين جمعهم حبهم لهاشم النحاس. وتعبيرهم عن الحب النابع من أعماقهم. فليس لأحد منهم مصلحة عند هاشم. وليس لهاشم مصلحة عند أحد. ولكنها المشاعر الإنسانية الخالصة. وما أندرها في أيامنا.
وهاشم النحاس قدم للسينما 14 كتاباً من تأليفه، و3 كتب مترجمة، و6 كتب راجع ترجمتها. أشرف علي إصدار أكثر من 30 كتاباً سينمائياً معظمها ضمن سلسلة الكتاب السينمائي التي صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. فضلاً عن أنه أخرج 20 فيلماً تسجيلياً.
عرفت هاشم النحاس قبل أن أعرفه. قرأت له كتابه: يوميات فيلم. وهو عن المراحل التي مرت بها رواية نجيب محفوظ: القاهرة الجديدة. إلي الفيلم الذي أخرجه عنها صلاح أبو سيف بعنوان: القاهرة 30، في نشرة جمعية نقاد السينما المصرية، كتب الدكتور محمد كامل القليوبي، أن هذا الكتاب يرصد مراحل تصوير فيلم: القاهرة 30 في تجربة هي الأولي والأخيرة في تاريخ السينما المصرية. بل لعلها من الكتابات المبكرة للغاية التي تناولت مثل هذا الموضوع في العالم. وقد قام هاشم بذلك مستخدماً خبرته كصانع أفلام.
جاءت معرفتي بهاشم في رحاب نجيب محفوظ. ما إن ظهر في جلستنا حتي أشار له نجيب محفوظ وقال لي: هذا الرجل فضله عليَّ كبير جداً. لا تستطيع كلمات اللغة العربية أن تعبر عما فعله لي. فلولاه ولولا الجهد الذي قام به ما عرف الناس الدور الذي قمت به في كتابة سيناريوهات ولا ما جري لروايتي عندما تم تحويلها إلي أفلام سينمائية.
سمعت عنه عندما أطلق سامي السلاموني علي 4 من نقاد السينما المعاصرين عصابة الأربعة. وكان يقصد سمير فريد وعلي أبو شادي وكمال رمزي وهاشم النحاس. والحمد لله أن علي أبو شادي في كلمته بحفل التكريم عدَّل من عبارة سامي السلاموني وقال إنها عصابة الثلاثة وليست عصابة الأربعة. فهاشم النحاس لا يمكن أن يكون جزءاً من عصابة. والثلاثة الآخرون - وهذا الكلام من عندي - أسسوا النقد السينمائي المصري والعربي وكانوا رواداً فيه.
لاحظت علي هاشم من خلال تعاملي معه حالة التصالح مع النفس. والرضا عما قام به. وعدم النظر إلي ما حصل عليه الآخرون. ولا التوقف أمامه. من الصعب أن أصفه بالعبارة التي كنت أسمعها في قريتي: الرضا بالمقسوم عبادة. فالرجل كان يعرف ما يريد. وكان صاحب مشروع. عمل عليه ولم يحد عنه لحظة مهما كانت مبررات محاولة القيام بأي أعمال أخري.
لنجيب محفوظ عبارة تقول: المتلفت لا يصل. ولا أعرف إن كان قالها في وصف هاشم النحاس أم لا؟ لكن هاشم النحاس كان يعرف طريقه. وكانت له عينان علي الطريق. تري آخره قبل أن تعرف بداياته. من الأمور التي تحلي بها نجيب محفوظ وما زال هاشم النحاس متمسكاً بها أنه لم يكن ينظر لعيوب الناس. ولا يتوقف أمام الحفر الموجودة في شخصياتهم. ولكنه كان يتعامل مع كل ما هو إيجابي في الشخصية الإنسانية التي يجد نفسه في مواجهتها.
لا أعرف إن كان هاشم النحاس قد أخذ هذه الخصلة من نجيب محفوظ؟ أم أنها جزء من تكوينه الإنساني؟ فأنا لم أعرفه في بداياته الأولي. ولا سنوات تكوينه. وقد دهشت من نشرة جمعية نقاد السينما المكتوب فيها أنه مولود سنة 1956، فالشيخوخة المبكرة التي تبدو عليه تعطيه من السن أكثر من هذا بكثير. أيضاً فإن هذه الشيخوخة تعكس معاناته والدور الذي قام به وأخذ نفسه بأكبر قدر من القسوة لينجز ما نذر نفسه له. بعيداً عن كثير من مسرات الحياة.
فاجأني في تكريمه وجود إبراهيم العريس، المثقف العربي والناقد السينمائي اللبناني. وإبراهيم العريس حكاية، لا يصح أن أشير إليها عرضاً. وما قدمه العريس لمصر. والثقافة المصرية والعربية لا بد أن نذكره وأن نوثقه للأجيال القادمة. فالرجل واحد من صناع الوجدان العربي في القرن العشرين.