الأخبار
محمد فهمى
أزمـة.. الإعـلام !
الأحداث الجارية من حولنا.. تؤكد كل ساعة زمن ضرورة إطلاع الجماهير الغفيرة التي قادت ثورتي يناير ويونيو علي حقيقة ما يجري علي أرض الواقع.. وأن يصل صوت الثورة إلي كل بيت.. كل بائعة خبز تجري علي رزقها في الحارة.. وكل عاطل يبحث عن عمل وعن أمل في المستقبل.. وكل طفل يحدوه الأمل في حياة أفضل.
نحن نعيش في ظل ثورتين شعبيتين.. ومن حق الشعب أن يحلم.. وأن تجري مصارحته ليس لمجرد انه مواطن.. ولكن باعتباره شريكا في صنع الثورة التي لولا مشاركته لما تحققت.
ووصول حدث الثورة إلي الجماهير.. ليس بدعة.. ولسنا أول من يشير إليه بكل الاجلال والاحترام.. فقد نجحت الثورات علي مر التاريخ بقدر نجاحها في ايصا لصوتها.. لمن يقرأ ويكتب ومن لا يفك الخط.. واستطاعت ان تحشد رأيا عاما.. مدركا لما يجري ومشاركا فيه.. بكل ثقة وعن اقتناع.. وبالتالي استطاعت كل الثورات أن تحول الشعوب من متابعة للأحداث.. إلي مشاركة فيها بإيمان صادق وعزم لا يتزعزع بتحقيق النصر.
ويتعين علينا هنا أن نشير إلي أنه حتي في الحالات التي تعرضت فيها الثورات لفلول الثورات المضادة.. واصوات الماضي. ومصالح تسير في طريق الضلال القديم. كان صوت الثورة.. هو الصوت الأقوي.. وهو الصوت الذي يلقي صداه بين الجماهير الغفيرة صاحبة المصلحة الأولي في نجاح الثورة.. وتحقيق أهدافها.
لم توجد في تاريخ الثورات التي عشناها وعاصرناها، أو تلك التي قرأنا عنها في كتب التاريخ.. ان اندلعت ثورة.. ولم تسمع الشعوب لها صوتا إلا في المناسبات الرسمية والاعياد القومية.. وتركت الأبواب مفتوحة علي مصاريعها للتكهنات.. والهمسات التي تنطلق كل صباح ومساء.. ويسمعها المواطن البسيط وهو يتأمل ويتعجب.. ثم يحوقل ويتنهد.
لقد نجحت الثورات.. لان صوتها كان الأقوي.. وكان هو الصوت الذي يلقي الاستجابة.. لان الصوت الذي يدعو إلي التغير.. ولا يشوبه التشويش.
ولا اعني بالتغيير هنا.. تغيير الحكومات والوزارات.. والمحافظين.. إلخ.
وانما اعني التغيير في الخطاب السياسي.. الذي يسمح للشعب بالمشاركة في الثورة.. وهي مشاركة لن تتم الا بالمصارحة والمكاشفة التي كان يطلق عليها الزعيم السوفيتي جوربا تشوف «الجلاسنوستة».. وهي كلمة لم تترجم إلي أي لغة في العالم.. وبقيت بلغتها الاصلية.. وهي اللغة الروسية. وتستخدمها كافة الشعوب بلغتها الاصلية التي تعني بلغتنا العربية المكاشفة أو المصارحة.
المصارحة.. كانت كلمة السر في نجاح ثورة التحول في الاتحاد السوفيتي.
المثير للدهشة. وهي دهشة كتبت عنها كثيرا.. ان التاريخ في بلدنا. سوف يتوقف أمامها طويلا.. انه في الوقت الذي كنا فيه في امس الحاجة لكيان مركزي يضبط ايقاع صوت الثورة.. الغينا وزارة الإعلام.. واهدرنا ادوات الإعلام الذي يعبر عن صوت الثورة.. وتركنا برامج الاذاعة التي تخاطب الجماهير الغفيرة من البسطاء.. تعاني كل الوان الخلل ومعها برامج التليفزيون التي القينا بها في غياهب منافسة شرسة.. مشحونة بكل الوان الزلل الاخلاقي والمهني.. والمزودة بسيل جارف من الاموال ومن الاعلانات.. التي تعبر في جوهرها عن الثورة المضادة.. مستخدمة احدث اساليب ووسائل العصر.. التي يفتقر إليها الإعلام الرسمي.. المفروض فيه ان يكون المعبر عن صوت الثورة.
ولا اعني في هذه السطور اخضاع الاعلام الخاص الذي يمتلكه عدد من الرأسماليين ورجال الاعمال.. للرقابة السياسية.. من جانب الدولة.. فهذا أمر نرفضه ولا ندعو إليه لسبب بسيط هو انه لا يتناسب مع العصر الذي نعيشه والذي تعددت فيه وسائل التعبير عن الرأي.. وليس سرا ان عدد المواطنين الذين عبروا عن رأيهم من خلال اليوتيوب.. حول قضية السيدة ريهام سعيد.. بلغ ٣٦ مليون توقيع تحت عنوان واحد هو «موتي يا ريهام».
٣٦ مليون مواطن عبروا عن رأيهم في قضية واحدة!
كل ما ندعو إليه الآن.. هو اعادة النظر في قرار الغاء وزارة الاعلام.. لتقوم بدور المنسق الرسمي لصوت الثورة الذي يخاطب الجماهير الغفيرة التي قادت هذه الثورة واطاحت بعصابات الارهاب.. التي اهدرت القيم.. واساءت للاسلام.
وآن الأوان لممارسة سياسة جديدة يشعر كل مواطن من خلالها انه المسئول عن اصلاح التعليم والارتفاع بمستوي المدارس واحترام المال العام.. والمشاركة في النظافة.. والقضاء عن المظاهر السلبية ابتداء من الاصوات الزاعقة الصارخة.. التي تقلق الاموات في قبورهم.. وحتي ظاهرة التحرش التي افرزتها عصابات الارهاب.. التي انسلخت عن مألوف عاداتنا وتقاليدنا.. التي ترسخت بين اجيالنا منذ مئات السنين.
وزير التربية والتعليم.. لا يستطيع وحده اصلاح التعليم.. ولا وزيرا الصحة أو الداخلية أو الاعداد الغفيرة من المحافظين الخ. ولذلك فإن الحالة الثورية التي نمر بها هي الفرصة السانحة لاشراك الجماهير الغفيرة التي انجزت الثورتين الشعبيتين.. بأن يصل إليها صوت الثورة علي مدار الساعة.. وانتهاج ثقافة شعبية جديدة يشعر من خلالها كل مواطن بأنه مشارك في السلطة.. وان البلد بلده.
واذا كنا.. وسط الحالة الثورية التي نمر بها في أمس الحاجة لوزارة اعلام.. تتولي ضبط ايقاع الاعلام.. فيتعين علينا هنا ان نشير إلي أنه لا توجد دولة في العالم ليس بها وزارة للإعلام.. بصرف النظر عن الاسماء التي تطلق علي هذه الوزارة.. وبالتالي فإن وجود وزارة للاعلام لا يتنافي أو يتعارض مع الديمقراطية.. والدليل علي هذا ان المانيا.. وهي في مقدمة الدول الديمقراطية لديها ما يسمي بمصلحة الاستعلامات التي يرأسها المتحدث الرسمي باسم الحكومة.. الذي يعقد مؤتمرا صحفيا في الساعة الثانية عشرة من ظهر كل يوم.. بالقاعة الرئيسية للمركز الصحفي.. في قلب المكاتب الصحفية التي يشغلها المراسلون الاجانب.. ويحضره مراسلو الصحف المحلية.. حيث تطرح كافة الوان الاسئلة.. في شئون الداخل والخارج.. وتصحيح المعلومات المطروحة علي الساحة أولا بأول.
وزارة الإعلام ليست بدعة.. وقد تختلف المسميات.. ولكن الهدف والمضمون واحد.. ومن الطبيعي ان يشارك المتحدث الرسمي في اجتماعات مجلس الوزراء.. رغم انه لا يحمل لقب وزير.. فالاسم هنا لا يهم.. المهم هو طبيعة العمل الذي يقوم به.. بلا وكلاء للوزارة ولا اعداد غفيرة من الموظفين والسعاة وبلا بيرقرواطية متوحشة.
اريد ان اقول اننا في حاجة لاعادة وزارة الاعلام بشكل جديد. ومضمون جديد.. بصرف النظر عن الاسم الذي تحمله وان نبدأ بتكليف الدكتورة درية شرف الدين.. آخر وزيرة للاعلام في بلدنا بوضع تصور للشكل المقترح.. بعيدا عن المناصب.. لنبدأ الخطوة الأولي في طريق المستقبل. .طريق الثورة!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف