كان الأزهر وسيبقى فى طليعة الهيئات والمؤسسات بل الدول فى إدانة العمليات الإرهابية الغادرة التى يتعرض لها الأبرياء فى أى مكان دون النظر إلى أى فصيل ينتمى المنفذون له أو ديانتهم أو جنسيتهم، فالإرهاب هو الإرهاب والإنسان هو الإنسان حيثما كان، وتاريخ الأزهر الشريف خير شاهد على هذا فمع بدايات الإرهاب الدولى كان الأزهر سابقا لجميع الدول والمؤسسات التى أدانت تدمير سفارتى «نيروبى ودار السلام» وتدمير برجى التجارة فى أمريكا وبرأ الإسلام من هذه الجرائم وغيرها ،وكذلك فعل الأزهر عند الاعتداء على مقر صحيفة شارل إبدو، والتفجيرات الأخيرة التى تعرضت لها العاصمة الفرنسية باريس، وقد أدانهـا الأزهر الشريف أكثر من مرة من خلال بيان رسمى عقب الحادث مؤكدا رفضه الإرهاب وتقديم التعازى للشعب الفرنسي، وعلى الهواء مباشرة بصوت شيخ الأزهر نفسه فى أثناء إلقاء كلمته التاريخية فى افتتاح مؤتمر الأقصر عن الإرهاب وفى حديثه فى نفس اليوم للتليفزيون المصرى وقناة سكاى نيوز.
إن حقيقة الإرهاب واضحة جلية بالنسبة للأزهر ونصوصها فى مصادر تشريعنا لا تخفى على طلاب العلم بالأزهر الشريف فجميعهم يعلم أن ديننا بريء منها ومن فاعليها مهما حاولوا أن يظهروا للعالم أنهم ينطلقون من قناعات دينية، فإسلامنا من أفعالهم النكراء براء، وعقوبة هؤلاء فى الإسلام واضحة بنص القرآن الكريم وهى القتل أو الصلب أو قطع الأيدى والأرجل أو النفى من الأرض بالسجن أو التغريب، وهذه العقوبات لم تجتمع فى جريمة واحدة فى شرعنا إلا فى هذه الجريمة، فعقوبة الصلب لم ترد على الإطلاق إلا فى هذا الموضع، وعلى ذلك لم تكن عمليات الإدانة والتنديد بالجرائم الإرهابية والمطالبة بالتصدى للمجرمين القائمين عليها فكريا وأمنيا كما يطالب الأزهر دائما أمرا مستغربا من مؤسسة تقوم على حراسة سماحة الإسلام وعدالة شريعته ونشر وسطيته، ولكن علينا أن نقول فى نفس الوقت إن مواقف الدول الغربية تجاه الإرهاب والإرهابيين غير واضحة، فقد تعودنا منهم ازدواجية المعايير فى التعامل مع القضايا الكبرى كاحتلال الدول والتدخل فى شئونها الداخلية وتنصيب أنفسهم شرطيا مهيمنا وسيدا على دول المنطقة من دون مسوغ من منطق أو تشريع وضعي، اللهم إلا منطق القوة والغطرسة الذى يقابله إحساس بالضعف وقلة الحيلة من دول ما يسمى العالم الثالث، فتعودنا مثلا سكوتهم بل دعمهم اللامحدود للكيان الصهيونى المغتصب لجزء من أراضى العرب وإبرازه فى صورة الحمل الوديع الذى يتحين العرب الجبابرة الفرصة لإلقائه فى البحر، ولذا يكون (الفيتو) جاهزا لإجهاض أى قرار يصدر ينال من هذا الكيان على الورق وليس على الأرض، فإن صدر القرار بعيدا عن سلطان (الفيتو) فليبق على صدر الورق وفى بطون الوثائق شاهدا على غطرسة مقيتة عفنة دون أى أمل فى خروجه للنور يوما ما، وعلى ذلك يكون رد طفل فلسطينى الاعتداء عن أبيه أو أمه بحجر مسوغا معقولا لتحويله إلى أشلاء، فإن تحرك المجتمع الدولى فلا بأس من دعوة المتغطرس الأكبر إلى ضبط النفس قبل المعتدى عليهم والدعوة إلى التفاوض السلمى وإجراء تحقيق تظهر نتائجه يوم القيامة، ولا مانع من امتلاك هذا الحمل الوديع لأسلحة الدمار الشامل من أجل حماية نفسه من المارد العربي، بينما مجرد التفكير فى الاستفادة السلمية من الطاقة النووية من قبلنا نحن العرب يعد شبهة تحتاج إلى تثبت من حسن النوايا، وأن إشاعة سعى بعض دول العرب لامتلاك هذا السلاح أمر كاف لتدمير دولتين دون تقديم اعتذار بعد ثبوت كذب المدمرين !.
إذا كان تفهمنا للازدواجية الغربية والأمريكية فى التعامل مع قضايا إسرائيل والعرب نابعا من طول العشرة لهذه الازدواجية لمصلحة طفلهم المدلل، فإن الازدواجية الجديدة هى ازدواجية التفريق بين الدم العربى والدم الغربي، فكثير من الحوادث الإرهابية ضربت أرض العرب وراح ضحيتها من يصعب حصرهم فما رأينا من الغرب إلا إدانات لفظية وزعما بشن حرب على الإرهاب تضر بالحجر قبل البشر وتتفادى إصابة الإرهابيين وليس المدنيين، ورأينا دعما واحتضانا لبعض الكيانات الإرهابية واستقبالات حاشدة وبحفاوة بالغة لقيادات إرهابية فى المواقع السيادية فى الولايات الأمريكية وعلى الأراضى البريطانية والتركية وغيرها، ورأينا فتورا وبرودا شديدا يعلو وجوههم بعد حوادث مفجعة وقعت فى بلادنا والإشارات من قبلهم بأصابع الاتهام إلى قوات الأمن المتصدية للإرهابيين بدلا عن دعمها المعنوى فى حربها ضد الإرهابيين، ورأينا إجراءات سريعة ومتزامنة للإضرار باقتصادنا القومى بعد سقوط الطائرة الروسية استباقا لنتائج تحقيقات لم تثبت بعد إذا كان عملا إرهابيا تسبب فى سقوط الطائرة أم لا، ورأينا زعما بأن مدينة شرم الشيخ تحولت إلى مدينة أشباح نظرا لمغادرة السائحين بفرمانات من دول بعينها مع تكذيب الواقع لهذه المزاعم، فهل سنرى قرارات مماثلة بعد أحداث باريس بحيث يعلن الاتحاد الأوروبى مثلا وقف الرحلات لمطار شارل ديجول لأن باريس لم تعد آمنة؟! وهل ستطالب هذه الدول رعاياها هناك بحزم أمتعتهم واستقلال أول قطار أو طائرة للعودة إلى الديار؟! ولماذا لم تصدر حتى الآن تقارير استباقية كتلك التى صدرت بعد سقوط الطائرة الروسية؟ ولماذا لم تتهم الشرطة الفرنسية بالتقصير وترتفع الأصوات مطالبة بتنحى القائمين على أجهزة الأمن والاستخبارات بعد هذه الفضيحة التى لا أتصور حصولها فى كفر من الكفور فما بالنا بعاصمة من أكبر العواصم الأوروبية؟
إن المقارنة بين شرم الشيخ وباريس ستكون فى صالح شرم الشيخ بكل تأكيد فالسائح على أرضها آمن مطمئن كما شاهدناهم فى لقاءات تليفزيونية عديدة بينما حبس الناس فى منازلهم فى باريس خوفا من تعرضهم لهجمات أخرى كتلك التى هزت أركانها قبل أيام، فإذا تعاطفت دول العالم مع باريس هذا التعاطف المحمود الذى نؤيده بكل تأكيد فلماذا لم تعلن دول العالم الحر التضامن مع مصر وزيادة وفودها السياحية بدلا من وقف رحلاتها إلى مدينة شرم الشيخ الآمنة لماذا تعاقب الدولة المصرية بهذه الإجراءات الظالمة التى لن تنال من مصر ولن تحقق لهم ما يأملون، لماذا هذه الازدواجية الممقوتة فى المعايير ،لماذا لم نحظ يوما بتعاطف مع ضحايانا كتعاطف العالم ونحن معه مع ضحاياهم ؟إن الدماء العربية التى سالت فى شوارعنا ليست بأقل من دمائهم، وتسويتنا نحن فى إدانة سفك الدماء دون تفريق بين دماء ودماء وتفريقهم هم بين دماء أبنائهم وأبنائنا يدل على أننا أكثر منهم تحضرا وإن زعموا هم غير ذلك ،وخير دليل على ذلك مظاهر التنكيل التى بدأت تنتشر هناك من خلال التضييق على المسلمين الأبرياء فى الغرب والتعرض للمساجد وغيرها، والتى يجب وقفها فورا حتى لا تتسع دائرة الإرهاب أكثر مما هى عليه.