الوفد
عباس الطرابيلى
التكنولوجيا.. خسائر أم مكاسب؟
نعترف بأن التكنولوجيا قفزت قفزات رهيبة فى العشرين سنة الماضية، بل فى العشر سنوات الأخيرة.. ولكن دفعت البشرية ثمنا غاليًا، بسبب هذا التطور، أقصد.. فى الخسائر.. وبالذات بالنسبة للعقل البشرى!!

<< مثلاً الآلة الحاسبة ألغت دور العقل البشرى، بالنسبة لحفظ جدول الضرب.. وبعد أن كان حفظنا لهذا الجدول هو بداية نضج هذا العقل.. إذ بنا نعتمد تمامًا على هذه الآلة.. فى كل العمليات الحسابية من ضرب وقسمة.. ومن طرح وغيره فهل هذا مكسب أم خسارة.. وبعد أن كنا نسمع عن قدرة عقل بشرى فى إجراء عمليات ضرب خمسة أرقام فى خمسة أرقام. نجد الآن الواحد يعجز عن ضرب ثلاثة فى ثلاثة.. ولذلك يلجأ.. للآلة الحاسبة.
<< تماما كما أن المحمول «الموبايل» ألغى حفظ العقل البشرى لأرقام التليفونات وأصبح هذا المحمول هو حافظة هذه الأرقام، وبعد أن كنا نمتلك نوتة تليفونات صغيرة للجيب.. وكبيرة للمكتب وللبيت.. حل هذا المحمول تمامًا محل كل نوت التليفونات، والنادر منا - الآن - من يحفظ حتى أرقام بيته أو أرقام أقرب الناس إليه!! فكل شىء مسجل على.. المحمول.
<< أيضا وجدت الكتابة - بالعربية والإنجليزية - على الكمبيوتر.. وذلك ألغى حصص الخط العربى والإنجليزى، وقد كنا نتعلمها حتى فى المدرسة الأولية، أى قبل الابتدائية!!. ونتج عن ذلك أن أصبحت خطوط أولادنا عبارة عن «نقش فراخ» فالخطوط اليدوية لم تعد تقرأ.. وإذا كنا زمان نتندر على خطوط الأطباء فى «الروشتات» فإننا الآن نكاد نعجز عن قراءة خطوط أولادنا.. ورحم الله أستاذنا على أمين الذى كان يمنح من يتعلم منا - نحن أبناء أخبار اليوم - الكتابة على الآلة الكاتبة منحة مالية قدرها خمسة جنيهات!! الآن أصبح الصحفى يكتب أخباره ومقالاته وتحقيقاته على «اللاب» الخاص به، ثم يرسل كل ذلك إلى مقر الجريدة بضغطه زر واحدة، وربما تذهب إلى سكرتير التحرير مباشرة أو إلى المنوط به إعداد صفحات الجريدة.
<< وكان الواحد منا - من 30 سنة مثلاً - يذهب إلى المؤتمر الصحفى للوزير حاملا جهازًا صغيرًا للتسجيل.. الآن يمكنه أن يسجل كل ذلك - صوتًا وصورة - من خلال المحمول.. وهو بذلك يستغنى عن دور المصور الصحفى أيضًا.
ثم هذه الفلاشة الصغيرة مهما كانت طاقتها 6 أو 8 أو 10 جيجا.. تستطيع أن تسجل عليها ما تشاء.. حتى الأغانى يمكن للفلاشة الواحدة أن تسجل عليها مئات الأغانى ثم تدفع بها إلى راديو وكاسيت السيارة لتسمع ما تشاء.. حتى وجدنا فلاشة واحدة مسجلاً عليها كل سور القرآن الكريم.
<< وكذلك: السى. دى. التى نسجل عليها الآن ما نشاء صوتًا وصورة.. أو صوتًا فقط.. وتستطيع الواحدة أن تحمل عليها عشرات، بل مئات الأغانى، وأى شىء.. وهى بذلك تلغى ظاهرة شرائط الكاسيت التقليدية، التى عرفناها من أوائل الستينيات وانتشرت حتى نهاية القرن الماضى.. كما أنها أيضا تلغى أفلام الفيديو.. بل وكل نظم الفيديو والله يرحم نوادى الفيديو التى فرضت سيطرتها علينا.. وكان رجال الجمارك - أول ما يسألوا القادم من خارج مصر - معاك فيديو!!
الآن ألغت هذه «السيديهات» كل نظام الفيديو وكل الأفلام، بل وكانت هذه الشرائط من ديكور البيوت حتى 20 سنة ماضية!! ويمكن أن نكتفى بجهاز «دى. فى. دى» لتشغيل السى.. دى.. وعجبى!!
<< أيضا كان جهاز الفاكس من معجزات هذه التكنولوجيا.. وأدى ظهوره إلى الاستغناء عن أجهزة «التليكس».. بل وأراحنا من إرسال ما نشاء عبر مكاتب التلغراف.. ثم جاء الدور على الفاكس ليختفى تدريجيا بعد ظهور أجهزة «اللاب» وغيرها التى من خلالها نرسل ما نشاء من رسائل وكتابات.. وأتذكر عندما كنا نقوم بإخطار صحفنا بما تحت أيدينا من أخبار من خلال «التملية بالتليفونات». الآن يمكّننا اللاب وتوابعه من ارسال الكلام المكتوب. وإرسال الصور أيضًا.
<< كل ذلك تحقق من خلال تطور تكنولوجى رهيب وسريع جدًا شهدته البشرية فى العشرين سنة الأخيرة.. وهذه أثرت أيضا على الكتاب وعلى حركة النشر.. لندخل عصر الكتاب الإلكترونى.. وربما يقضى ذلك على.. الصحافة الورقية.. وعلى الكتاب الورقى أيضًا.





��§Ù‚��±��£ ��§Ù„مق��§Ù„ ��§Ù„��£��µÙ„ÙŠ ��¹Ù„ÙŠ ��¨Ùˆ��§��¨��© ��§Ù„وف��¯ ��§Ù„��§Ù„يك��ª��±ÙˆÙ†ÙŠ��© الوفد - التكنولوجيا.. خسائر أم مكاسب؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف