عبد الحليم رفاعى حجازى
الشكر لله .. وبالوالدين إحسانا "2"
يتواصل حديثنا عن لفظ "أم" ومشتقاته في القرآن الكريم الذي ورد تسعة وتسعين مرة.. وكما ذكرنا في المقال السابق ورد عن أم الكتاب وعن أم القري وأم موسي وذلك في تسع آيات.
أما الآيات الباقية "التسعون" آية فقد سجلت بأمانة في كتاب "المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم" وهي علي سبيل المثال يطلق لفظ "أمة" علي الفرد الذي يقوم مقام جماعة في مثل قوله تعالي "إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا" "النحل 120" و"الأمة" هي كل جماعة من الناس يجمعهم أمر ما "ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" "آل عمران: 140" و"الإمام" المؤتم به. يقول تعالي: يوم ندعو كل أناس بامامهم "الإسراء : 71". وفي مجال النظر إلي "حياة المسلمين" وعلاقتهم بالنبي صلي الله عليه وسلم وأهله الطاهرين يعطينا القرآن تصوراً لهذه المجتمع كأسرة كبيرة "النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم أولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلي أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطوراً "الأحزاب: 6".
وهكذا فإن "الأمومة" صورة من الرحمة نراها في عالم الحيوان كما نراها في عالم الإنسان وبالتالي تتسع الأمومة في نظام شبكي أقرب ما يكون هندسيا إلي الزخرفة الإسلامية باطباقها النجمية التي تصدر عنها وتصل إليها خطوط كثيرة متشابكة واضحة: خطوط من الأم إلي أولادها. خطوط من الأبناء إلي الأم. وخطوط من أبناء الرضاع وذوي الأرحام.. وهو نظام إذا تتبعناه في اتساعه وتتابع اتصالاته وجدناه يربط المجتمع كله في وحدة إنسانية.
هذا يؤكد التاريخ أن الأمومة والأبوة "الوالدية" تصعد فوق مستويات الجنس والمصلحة القريبة إلي أفق الوفاء والرحمة والمسارعة إلي البر.. وبالتالي يتأكد أن "الإحسان" إلي الوالديه.. والشكر لهما من الثمار الطيبة وأنها امتداد لهما. وها هو القرآن الكريم يؤكد علي سبيل الحصر كما يلي: "وإذا أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا" "البقرة: 83" "وأعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا "وبالوالدين إحسانا" "النساء: 36" "وقل تعالوا أتلوا ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا" "الأنعام: 151" وقضي ربكما ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا "الإسراء: 23" و"ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا" "الأحقاف: 15" "ووصينا الإنسان بوالديه حسنا" "العنكبوت: 8".
هذا وقد قال المفسرون: والرابطة بعد رابطة العقيدة هي رابطة الأسرة ومن ثم يربط السياق "بر الوالدين" بعبادة الله إعلانا لقيمة هذا البر عند الله ولذلك فإن العبارات الندية التي توضح "الإحسان" والصور الموحية يستجيش القرآن الكريم وجهي البر والرحمة في قلوب الأبناء.. وإن الوالدين يندفعان بالفطرة إلي رعاية الأولاد إلي التضحية بكل شئ حتي الذات وهكذا تندفع الحياة.
وها هو الرسول المعلم محمد بن عبدالله الذي يؤكد في جوامع كلمه "وبالوالدين إحسانا" ويقول صلي الله عليه وسلم: عن ابن مسعود قال: سألت النبي: أي العمل أحب إلي الله؟ قال الصلاة علي وقتها. قلت: ثم أي. قال: بر الوالدين. وقلت ثم أي: قال الجهاد في سبيل الله "البخاري ومسلم" وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلي رسول الله فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي: قال: أمك. قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك. قال: ثم من قال: أبوك ثم أدناك فأدناك. "البخاري ومسلم" وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "رغم أنف ثم رغم أنف" أي الضيق بالرغام أي بالتراب" من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلم يدخل الجنة "مسلم" وأخيراً وليس آخرا.
"سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام علي المرسلين والحمد لله رب العالمين"