العزل السياسى هو ثالث عقوبة يمكن أن تصيب الخصوم السياسيين على مر التاريخ.
كانت العقوبة الأولى والأسرع هى الحكم بالقتل على المعارض، ثم أصبح الإيداع فى السجون هو العقوبة الأقل درجة من الموت.
واهتدى العقل البشرى إلى صيغة ثالثة جديدة لا تقتل ولا تحبس حرية الإنسان وهى صيغة العزل السياسى.
أول أشكال العزل السياسى وأكثرها رواجاً فى علاقة الحاكم بالمحكوم كانت النفى إلى خارج البلاد، وكانت البدايات فى عهد الإمبراطورية الرومانية، ثم كان أشهر المنفيين على مر التاريخ هم: نابليون بونابرت، ودوق وندسور، والمهاتما غاندى، وسعد باشا زغلول والملوك فاروق وإدريس السنوسى وسعود بن عبدالعزيز وبرويز مشرف وعيدى أمين وزين العابدين بن على.
البعض تم نفيه من الحاكم أو المحتل، والبعض اختار منفى اختيارياً.
البعض تم نفيه خارج الوطن والآخر تم تحديد إقامته داخل بلاده.
وجاءت آخر صيحة فى العزل السياسى هى أن تعيش داخل الوطن حراً طليقاً متمتعاً بكافة حقوقك إلا حقوقك السياسية فى الترشيح والترشح والانضمام لأحزاب أو الإدلاء بأى رؤى سياسية.
بهذا المفهوم أنت مواطن يأكل ويشرب ويتناسل ويبيع ويشترى لكنه محروم من حقوقه فى الرأى والتعبير والمشاركة والتأثير.
وفى بلادنا عزل قادة يوليو 1952 مليك البلاد فاروق الأول، وبعدها عزل مجلس قيادة الثورة قائده الشعبى اللواء محمد نجيب، وعزل الرئيس عبدالناصر المشير عبدالحكيم عامر، وعزل الرئيس أنور السادات المتآمرين فى 15 مايو 1971، وعزل الجيش الرئيس حسنى مبارك فى يناير 2011، وقام برلمان ثورة يناير بعزل الفلول، ثم قام الشعب والجيش بعزل جماعة الإخوان والرئيس محمد مرسى.
ودون الغوص فى أعماق كل حالة عزل وأسبابها ودوافعها يبقى الأمر الوحيد المؤكد أن فريقاً ما قرر التخلص من فريق مضاد له بمنعه من ممارسة حقوقه السياسية.
العبرة فى التجارب الديمقراطية هى أن تتعايش مع من يخالفك الرأى لأن قانون اللعبة السياسية الديمقراطية هو أنه لا يوجد حزب حاكم دائم ولا حزب معارضة دائم، ولكن هناك - دائماً - إمكانية لتداول السلطة عبر الصندوق الانتخابى.
للأسف جميعنا استخدم الإقصاء السياسى وسيلة للتخلص من معارضيه حتى أصبح هذا الأمر إحدى قواعد الحياة السياسية المصرية.
منطق القبول بالآخر مع التسليم بالاختلاف بيننا هو نوع من الثقافة الغائبة عن العقل السياسى المصرى.