المساء
محمد جبريل
مصر العربية
مصر لا تستطيع أن تقف بمفردها. أو تنعزل عن بقية جيرانها.
حقيقة يضغط عليها سلامة موسي. مستدلاً بعالم الآثار ويجال. فهي امبراطورية إذا أرادت الاستقلال. وهي مستعمرة إذا تقاعست عن تحقيقه. وضعها الجغرافي يجعلها ــ دائماً ــ مفتوحة الأبواب والنوافذ. فهي اما أن تسيطر علي جيرانها. أو يسيطر عليها جيرانها. وهي اما أن تصبح مركزاً لامبراطورية تمتد إلي ما حولها. واما أن تصبح جزءا من الامبراطورية. لبعض جيرانها. أو لامبراطوريات قادمة من وراء البحر ــ حدود مصر لا تحميها ــ رأي مناقض لرأي جمال حمدان ــ وهي مدفوعة لأن تغزو الأمم المحيطة بها. أو تغزوها تلك الأمم. وإذا كان ويجال يهدف إلي تطويع رأيه بما يتفق مع نزعته الاستعمارية. فإن سلامة موسي تعنيه ــ في الدرجة الأولي ــ قيمة المنطق التاريخي الذي يرتكز اليه ويجال. ولعل ما يعنينا نحن بالتالي. تأكيد ذلك الرأي لانتماء مصر العربي. فرض عليها وضعها الجغرافي أن تصبح مركزاً لتلاقي القارات الثلاث: افريقيا وآسيا وأوروبا. قدر مصر هو أن ترتبط بجيرانها. وجيرانها هي الدول العربية. الشعب المصري ينتمي إلي العروبة بكل أبعادها القومية. دينا ولغة ومصالح وامتداداً تاريخياً وجغرافياً. ومن ثم فإن صورة مصر هي: اقليم عربي. ضمن المنطقة العربية. أما المناداة بالعزلة. فهي ــ بالقطع ــ دعوة رجعية. يمكن أن نجد نتائجها فيما آلت إليه أحوال السكان الأصليين في الأمريكتين واستراليا. حين فضلوا العزلة. والابتعاد عن "ذلك العالم الشرير" فحطت عليهم أسراب الجراد الأوروبي. وألغت حضارتهم. وأقامت علي أنقاضها مدنية متقدمة. ولكن علي حساب السكان الأصليين أنفسهم.
لا يخلو من دلالة قول أحمد بهاء الدين: "إنهم لا يريدون لمصر أن تغرق. فغرق مصر يمتد أثره إلي المنطقة كلها. وهم ــ في الوقت نفسه ــ لا يريدون لها أن تقف علي قدمها من جديد. ففي كل مرة وقفت فيها علي قدميها. صارت هي العامل المؤثر في المنطقة. انهم يريدون لها أن تبقي طافية علي سطح الماء فحسب. لا تنزل رأسها عن سطح الماء فتختنق. ولا ترتفع رأسها عن سطح الماء. وتتنفس بحرية.
لعلي أوافق علي رفض ذلك المنطق المشبوه. الذي يجعل من نقطة قوتنا نقطة ضعف. ومن أكبر رصيد لنا خسارة علينا. إن ضمان الموقع الخطير يتطلب موضعاً غنياً. وبتعبير آخر. فإن مكانتنا هي محصلة مكاننا وامكانياتنا علي حد سواء. ذلك مفتاح الماضي. مثلما هو دليل المستقبل.
كانت الحضارة الفرعونية ــ ابتداء ــ قلب المنطقة الحضارية في العالم القديم. وهي ــ فيما بعد ــ لم تقصر حتي عن الاستعارة الحضارية. وعلي الرغم من أن مصر تمثلت الثقافة العربية تماما. فإن النهضة الحضارية العربية التي صدرت إلي أوروبا. كانت تتضمن خيوطا مصرية واضحة. ورائعة في نسيجها.
واللهجة المصرية هي أقرب اللهجات العربية إلي الاستقامة والاعتدال. والأزهر هو سادن الدعوة الاسلامية منذ مئات السنين. وطلت مصر ــ ولا تزال ــ خلية نابضة. متحركة. في قلب العالمين العربي والاسلامي.
قدر مصر هو أن ترتبط بجيرانها وجيرانها هي الشعوب العربية. فاذا أضفنا إلي ذلك خصائص القومية العربية ــ دينا ولغة ومصالح مشتركة وامتداداً تاريخيا "فالعرب من أصل قاعدي واحد مشترك مع العنصر المصري. والقرابة الجنسية قائمة منذ ما قبل التاريخ" فإن صورة مصر المؤكدة: شعبة من أنتيم واحد. هو الوطن العربي .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف