أ.د. حسام الدين مغازى
تحديث أساليب الري المصري (2)
تعرضنا في مقال سابق لمشروع تطويرالري في الأراضي القديمة ومدي جدواه الاقتصادية وفائدته الكبيرة للمزارع المصري، حيث يجري حاليا تنفيذ اعمال التطوير في مساحة حوالي 254 ألف فدان بمحافظات البحيرة والغربية وكفر الشيخ، وقد تم تمويلها من البنك الدولي وبنك التعمير الالماني بتكلفة حوالي 329 مليون جنيه. كما يتم تنفيذ أعمال تطوير الري باستثمارات محلية بالكامل من خلال صندوق تطوير وصيانة المساقي بمحافظتي المنيا والفيوم بإجمالي تكلفة قدرها 61 مليون جنيه، بالاضافة إلي 12 الف فدان بالشرقية بتمويل قدره 100 مليون جنيه من صندوق الاوبك.
لكن المشروع واجه تحديات كبيرة أدت إلي بطء معدلات التنفيذ وتأخير الاستفادة منه في كثير من المناطق. خصوصا علي مستوي المساقي. فبينما تم تنفيذ منظومة التطوير علي مستوي الترع الفرعية بنجاح في زمام 600 الف فدان، من خلال إدخال بوابات حديثة نصف قطرية نجحت في إحكام إدارة وتوزيع المياه علي مستوي الترع الفرعية، مع إنشاء حوالي ألفي رابطة لمستخدمي المياه علي الترع الفرعية التي تخدم هذا الزمام. نجد أن تشغيل وإدارة المساقي المطورة التي لايزيد زمام الواحدة عن مائة فدان مازال متعثراً ويواجه تحديات كبيرة.
أول هذه التحديات جاء من جانب بعض المنتفعين الذين لم يبدوا تجاوباً كاملا مع أسلوب الري الجديد وفضلوا الاستمرار في الاسلوب القديم الذي تآلفوا معه لسنوات طوال، وذلك إما خوفاً من تغيير أسلوب الري لأسلوب آخر لم يعتادوه أو بسبب عدم اعتيادهم علي العمل الجماعي من خلال رابطة مستخدمي المياه، ورابطة مستخدمي المياه تمثل كل المنتفعين علي المساقي الخصوصية المطورة وعددهم في الغالب لا يزيد عن مائة منتفع حيث يقومون باختيار مجلس إدارة للمساقي يقوم بإدارتها لصالح الجميع ويقوم بعمله بشكل تطوعي.
ومهمة رابطة مستخدمي المياه ليست سهلة، فهي تضع أعضاءها أمام خيار العمل الجماعي لأول مرة، كما تجعلهم يتمتعون بكامل المسئولية في إدارة المساقي الخاصة بهم. وحتي تستطيع الروابط أن تقوم بهذه المهمة فإنها تحتاج إلي مجموعة من التدريبات الفنية والإدارية والمالية لتسمح للمنتفعين بإدارة المساقي المطورة، ولدينا الآن حوالي 8 آلاف رابطة لمستخدمي المياه تم انشاؤها علي كل المساقي التي تم تطويرها لكن عدد الروابط الذي يعمل بكفاءة عالية وقدرة تشغيل كاملة محدود ويعتبر من أكبر التحديات التي تعوق الاستفادة الكاملة من مشروع التطوير. خصوصا وان تكاليف الانشاء والتشغيل والصيانة يتحملها المنتفعون بالكامل علي أقساط تصل إلي مدي زمني 20 عاماً، وتقوم الوزارة بالتعامل مع تلك المعوقات عن طريق رفع كفاءة وتفعيل دور روابط مستخدمي المياه التي تقوم باستلام المساقي المطورة وتشغيلها وصيانتها حيث يحتاج أعضاء الروابط إلي مهارات خاصة حتي يمكنهم إدارة المسقي بشكل يتسم بالكفاءة، وهذا يتطلب عقد دورات تدريبية لهم علي مبادئ التشغيل والصيانة وأيضاً علي أساليب العمل الجماعي.
كما كان من أسباب عرقلة أعمال التنفيذ اعتراض بعض المنتفعين علي مرور خطوط الكهرباء بأراضيهم لأن وجود شبكات الكهرباء يعوق بيع الأراضي الزراعية لأغراض البناء نظرا لوجود اشتراطات للبناء بجوار خطوط الكهرباء وخاصة شبكات الجهد المتوسط. وتمثل أعمال الصيانة للمساقي المطورة تحديا آخر، فنحن جميعا نعرف الشكاوي من البطالة في الريف المصري وسط الشباب، لكن في نفس الوقت نجد القليل من يقبل تعلم مبادئ الصيانة والسباكة للمساقي المطورة والتي ستؤدي إلي فائدة مزدوجة، توفر الخدمة للمنتفعين ولا تعطل المساقي عن أداء وظيفتها، وتحل جزءاً من مشكلة البطالة علي مستوي الريف. لذلك لابد من طرح مبادرة لتدريب الشباب الراغب في تعلم مهارات الصيانة للمساقي علي نفقة الوزارة لتكوين كوادر نحن في امس الحاجة إليها.
كما كان لتعثر بعض شركات المقاولات في تنفيذ الأعمال المدنية وسحب العمل منها وإعادة طرح العمليات أثر في عدم مواكبة الجداول الزمنية لتنفيذ مشروعات التطوير، هذا فضلا عما تسببت فيه حالة الانفلات الأمني التي سادت الدولة كتداعيات لثورة يناير 2011 وماصاحبها من اعمال تخريب وسرقات للمهمات الكهربية والميكانيكية لأعمال التطوير وتكبد شركات المقاولات لخسائر كبيرة واضطرارها لتعويض ما تم تدميره أو سرقته كمحولات كهربية وغيرها.
والملاحظ أن سوق المقاولات المصرية علي اتساعه لايوجد به عدد كاف من الشركات التي تستطيع أن تستوعب حجم أعمال التطوير المطلوبة وتنفذها في الوقت المحدد، مما يتحتم معه تشجيع شركات جديدة لتدخل في المجال مما يؤدي لتوسيع دائرة التنافس وبالتالي تقليل تكلفة تطوير الفدان وتنفيذه في وقت أقصر.
حفظ الله مصر وشعبها ونيلها من كل سوء.