الوطن
سهير جودة
زمن «كدابين الزفة»
عندما مرت مصر بعد 67 بأزمة اقتصادية، وأزمة سياسية، وأزمة وجود، وأزمة ثقة، وأزمة تأثير، رأينا ثروة مصر الناعمة.

فى كامل العنفوان، أم كلثوم طافت محافظات مصر فى حفلات خصصت عائدها للمجهود الحربى، لأن مصر كانت بحاجة للأموال لشراء الأسلحة، وفعلت ذلك فى العالم العربى كله، فأم كلثوم منذ 67 وحتى قبل رحيلها بقليل، كانت تعمل لصالح مصر، فى حين لم تكن فى حاجة لتأكيد وطنيتها، وإذا لم تفعل شيئاً، فلم يكن ليلومها أحد.

أم كلثوم لم تكن حالة فردية، ولكن جميع نجوم مصر طافوا المحافظات، نجوم التمثيل يقدمون الحفلات ونجوم الغناء يقدمون فنون الغناء، كانوا يقدمون فناً وصدقاً ووعياً ولم يكونوا مجرد حناجر كما هو الحال الآن.

الفارق كبير بين ثروة مصر الناعمة زمان، وبين «كدابين الزفة» الآن، هناك بعض النجوم على استعداد لفعل أى شىء استعراضى أياً ما كان نوعه، بكاء وعويل أو رقص وتطبيل، وهم أفضل من يتغنى بحب مصر، ولكن هذا الحب عبارة عن كلام فى كلام.. وقت الجد لن نجد سوى «التبخر» التام.

منذ 25 يناير 2011 وحتى الآن قامت عشرات من مؤسسات المجتمع المدنى والدولة بجمع تبرعات لأشياء مهمة متعددة من أول الشهداء والمصابين مروراً بالحالات الإنسانية والمشروعات المخصصة للفقر والعلاج والكوارث، رأينا أناساً بسيطة يتبرعون بخمسة جنيهات ومن بين الملايين التى أقبلت بحب وعطاء للتبرع لو بحثنا فيهم عن نجوم يملأون الشاشات صخباً وضجيجاً سوف نجد بالكاد عدداً لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة والباقى يصفق لمن يتبرع.

ثروة مصر الناعمة عند أى أزمة أو كارثة لا تستطيع سوى إبداء المشاعر الطيبة أو الساذجة أحياناً كثيرة، منهم من يجتمعون فى أى مؤتمر فقط للوجود والتصوير دون أن يكون لهذا الوجود قيمة أو معنى.. نراهم يذهبون فى طائرات أو أوتوبيسات للحصول على أفيش للتصوير وإثبات موقف ليس له موقف.

أزمة الطائرة الروسية فى شرم الشيخ دليل على حالة التعاسة فى التفكير والتنفيذ، فعمل مسيرة هو أفضل وأبدع ما تفتق عنه فكرهم ربما ليسوا على استعداد لفعل ما هو أبعد من ذلك.

وغاب النجوم عن مهرجان القاهرة السينمائى، وهو المكان الوحيد الطبيعى الذى يعطى ظهورهم فيه معنى وقيمة، ولكنه جاء مهرجان منقطع النجوم، فهل تبادل هؤلاء النجوم كلمة «عيب» على هذه المواقف؟ كيف لم يحتشدوا فى مهرجان دولى فى توقيت أزمة بالنسبة لمصر وفى احتياج لأن نعلن أن أضواء الفن والحياة مضاءة فى هذا الوطن ولن يخفت بريقها، ولكنهم أبوا أن يطفئوها، وكأنهم يتآمرون على أنفسهم، وعلى مصر، بينما هؤلاء النجوم يتسابقون لحضور كل المهرجانات العربية الصغيرة والكبيرة، فالبعض يعتبرها دعوة ترفيهية، والبعض يرى فيها فرصة للتسوق مجانية، والبعض يحصل فيها على أجور ولا مانع من عقد بعض الصفقات.. حقاً عيب!!

ما يفعله أغلب نجوم مصر ليس عيباً فقط، ولكنه عار أيضاً، فعدد كبير منهم قادر بحكم سنه وشهرته وما حصل عليه من نجومية أن يقدم الكثير لهذا الوطن، وخاصة أن ما قدموه على مستوى العطاء الفنى لا يساوى ما حصلوا عليه من مكانة وشهرة وثروة، ولكن يبدو أنهم لا يخجلون وعندما يفتح الله عليهم بتصريحات خاصة بأزمات مصر يعد كلامهم الخالى من الوعى نوعاً من المصائب.

ولو امتلكوا ذرة من وعى وضمير وحياء، فالمفروض أن نراهم فى منطقة سياحية فى مصر، وليسوا فى مسيرات ومؤتمرات وأحاديث لحظية.

لا بد أن تكون هناك خطة لإقامة حفلات على مدار العام يتنازلون فيها عن أجورهم ويكون وجودهم جاذباً للسياحة الداخلية والعربية وتكون هذه الحفلات مصدر دخل لصالح دعم السياحة وخدماتها وفى نفس الوقت مطلوب منهم الوجود كممثلين ومطربين فى جميع محافظات مصر لإقامة حفلات يخصص عائدها لمشروعات اجتماعية أو علاجية أو للقرى الأكثر فقراً واحتياجاً، ولكن المؤكد أن هذا الطموح ربما يكون فى حلم الخيال لنفوس بتعبيرهم «أدمنت النحت» وأصبح كل شىء بالنسبة لهم «سبوبة» بداية من الدعوة التى تلبى فى أى شىء والتى لا بد أن تكون مدفوعة الأجر للمشاركة فى حدث أو مهرجان أو حتى الظهور فى التليفزيونات سواء محطات مصرية أو عربية، فهم يعتبرون الظهور «نمرة» لا بد أن يتقاضوا عليها أجراً وأحياناً يتسابقون فى عمل مزاد لرفع أجورهم، فكيف نتوقع منهم خيراً، لأن من يعبد القِرش، لا يحب الوطن ولا يحب سواه.

أين عمرو دياب، ومحمد منير وعادل إمام وجميع الأسماء الكبيرة الأخرى؟ إننا لا نطلب منهم تبرعات ولكن عطاء. عندما كانت مصر مساقة إلى الظلام فى حكم الإخوان كانوا يبكون دماً والبعض منهم كان حبيس بيته ومهدداً فى رزقه وعندما أسقط الشعب المصرى هذه الظلمة توحشت الأظافر وظهرت الأنياب ومات الضمير، فلم يقدموا شيئاً للوطن وللدولة سوى زفة كذابة، وأغلبهم للأسف على المستوى الثقافى والوجدانى وامتلاء الشخصية أجوف معدوم الإدراك ولا يملك من الوعى شيئاً.

ثروة مصر الناعمة أصبحت كالحمل الكاذب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف