الأهرام
د/ شوقى علام
حركات الإرهاب وتشويه صورة الإسلام
لا ريب أنه لم تتوافر سمات خطاب الوسطية في جملة كبيرة من أصوات ظهرت في الآونة الأخيرة في مجال الدعوة الإسلامية عبر الوسائل والأنماط المختلفة، مما نتج عنه اختلال في الرؤية والعرْض والنتيجة، ومن ثَمَّ انتشر خطاب شابه شيءٌ من التفريط والإفراط على حدٍّ سواء.
ولقد خلصت الأفكار المتطرفة إلى نصوصٍ شرعيَّةٍ وفهمتها فهمًا سقيمًا يُحقِّق أغراضَهم التي يَصْبون إليها ويلهثون وراء جَلْبها وتحقيقها ولو على حساب لَيِّ النصوص وإخراجها من سياقها الحقيقي الذي قصده الشارع، بما يخدم تطلعاتها الآثمة وأهواءها المنحرفة، مما أدى إلى إشاعة تفسيرات مغلوطة لتلك النصوص تحمل منظومة الأخلاق بصورة مغايرة عما هي عليه في صحيح الدين، بل نجدها في أحيان كثيرة متباينة ينضح منها التنازع والاستقطاب، حتى وصل الأمر إلى إراقة الدماء الزكية ونهب الأموال المعصومة وهتك الأعراض المصونة.
وهذا يُحتِّم علينا ضرورة بعث روح التجديد في فهم هذه النصوص وفق المناهج العلمية الرصينة التي تلقتها الأمة جيلا بعد جيل، وذلك بتفنيد تلك التفسيرات المغلوطة وبيان عوارها وإرجاعها إلى سياجها الأخلاقي الصحيح بعد أن ظلمها أولئك المرجفون، وظلموا بها.
وتأتي آية السيف في قولِه تعالى: "فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ" [التوبة: 5] في مقدمة هذه النصوص الشرعية التي عارض بها المتطرفون ما ثبت من آياتٍ محكمةٍ داعية إلى السِّلم والتعايش، كما في قولِه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً" [البقرة: 208]، وقولِه تعالى: "فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا" [النساء: 90]، بل أمر الله عز وجل بصَدِّ العدوان بالمثل وعدم التجاوز في الكراهية والانتقام، فقال تعالى: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" [البقرة: 190].
بل يتبجح بعضهم بأن هذه الآية نسخت مائة وأربع عشرة آية في ثمانى وأربعين سورة، وهي الآيات الدالة على الإعراض والصبر على أذى الأعداء.
والحق أن هذه الآية الكريمة كما هو منطوقها واردة في مشركي العرب الذين لا عهد لهم حيث نبذوا عهودهم، وضرب الله لهم موعد الأربعة الأشهر الحرم، لكونهم البادئين بقتال المسلمين، والناكثين لعهودهم، كما جاء في آية تالية في ذات السورة [التوبة: 63]: "أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ".
وفي صدد المشركين أباح الإسلام التعاهد معهم وإلزام المسلمين بالوفاء بعهودهم في قوله تعالى: "إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ" [التوبة: 65]، وقوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" المائدة: 1)
كما لم يقف تَمسُّك هذه الشِّرذمة بفهمهم الـمُعْوَجِّ عند حدود النقاش العلمي الذي يدور في أروقة الكتب وسِجَالات العلماء، بل تعدَّى إلى تقنينه في صورةِ فتاوى قُرِئَ فيها الواقعُ قراءةً مغلوطةً، ثم أثمر ذلك كلُّه عن تنفيذهم لأعمالٍ إرهابيَّة اقتلعَتِ الشجرَ وهدمَتِ البيوتَ وقتلت الإنسان، فاختلَّ عندهم مقصودُ الشارع من إرسال النبي صلى الله عليه وسلم الذي ما جاء إلا لنشر الرحمة وبث السلام والطمأنينة في صدور الناس، تصديقا لقوله تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" الأنبياء: 107)
وبجانب هذا الضلال والتشويه في النصوص الشرعيَّة والمقاصد المرعية نلاحظ تراجعًا كبيرًا في مسيرة الإسلام نتيجة ما يفعله هؤلاء النفر المتطرفون من اعتداءاتٍ وتهديدات طالت بلاد الشرق والغرب، حيث رَصَد مَرْصد الفتاوى التكفيرية والشاذة بدار الإفتاء المصرية أن: العملية الإرهابيَّة التي ارتكبها تنظيمُ داعش في باريس مؤخرًا، قد تسبَّبَتْ في ظهورِ موجاتٍ كبيرةٍ وخطيرةٍ من العَداء للإسلام والمسلمين في الغرب، حيث أخذ الخطابُ اليمينيُّ المتطرفُ مساحةً واسعة من الجدل الدائر في الغرب، وتنامتِ الأصواتُ المناهضةُ للمسلمين في أوروبا والولايات المتحدة وكندا، بالإضافة إلى حدوثِ موجةٍ من الاعتداءات العنصرية والطائفية ضد المسلمين ودُور العبادة الخاصة بهم هناك، فضلًا عن إقدام العديد من المتطرفين اليمينيين على حرق المصحف الشريف في المظاهرات المناهضة للمسلمين. إلى غير ذلك مما جاء في التقرير، وبذلك أصبح الإسلام عقيدة معادية للتسامح والحرية، وداعية للعنف والشمولية.
وإننا وإن سلمنا أنه قد يشذ في الأمم أفراد عن جادة أخلاقها وكريم أعراقها، فلا يصح أن يكون ذلك مدخلا للحكم على الجميع بالشذوذ، فضلا عن أن يَكِرَّ ذلك بالبطلان على الإسلام ودعوته المسالمة السمحة التي إذا خالطت بشاشته القلوب لا يسخطه أحد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف